الذئب من حيوانات البراري لدى العرب * عرفه سكان البوادي والقرى والحواضر منذُ القديم بلونه وطباعه وصفاته * وهو من فصيلة الكلاب من اللواحم * يتميز عن الكلاب بأن ذنبه أكبر وغرائزه وحشية جسمه نحيل أسلت المؤخرة عيونه مزورة ورأسه أضخم من رأس الكلب * والذئب فطن شجاع * بنيته قوية يستطيع السير (40 كم ) في الساعة يمشي حذراً متجنباً كل خصومه لا طائل منها ولا يقترب من الأماكن المسكونة إلا نادراً ومضطراً بسبب الجوع . وأنثاه الذئبة تختلف عنه قليلاً فخذها أدق وذَنبها أقل شعراً وللذئب عند العرب أسماء كثيرة :
(( الذئب – الذؤابة – ذؤاله – السرحان – السيد – العملس – أويس – الأطلس – السلق – اللعوس – الأغبر – الهجرس – العسال – الدلهم – الأعقد – النهثل )) .
وأسماء كثير وقد كناهُ العرب منذ القديم بعدة كنى منها :
((أبو مذاقة – أبو جعدة – أبو ثمامة – أبو جاعد – أبو كاسب – أبو عسلة – أبو العطلس – أبو جعادة )) .
ويسمى في العامية الفراتية (( ذيب – الهوش – الوحش )) ويكنى بأبو سرحان وأخو سرحة وفي العامية السورية ( ديب ) * تشيع لدى أبناء الفرات معتقدات كثيرة حول الذئب وأجزائه ورثوها عن أسلافهم وما زال قسم يرددها إلى يومنا هذا * وقد ذُكر بعضها في كتب الحيوان التي ألفها كُتاب عرب قُدماء مثل كتاب " حياة الحيوان الكبرى " للدميري – وكتاب ( عجائب المخلوقات والحيوانات ) للقزويني – وهذه الكتب روت معتقدات عديدة تصل إلى مرتبة الخرافة متعلقة بالذئب لا ريب أنها كانت منتشرة في عصورهم توارثت شفهياً بين الناس من خلال مجالسهم وأحاديثهم حتى أصبحت من المسلمات بينهم ومنها :

1- عندما يقع الطفل على الأرض في أثناء سيره أو عندما يفز من نومه تقول له أمه ((في مناطق الفرات والبادية )) " اسم الله الذئب * الخطيب الحاضر ما يغيب " وهذه الكلمات بمثابة تعويذة أو رقية ترقي بها الولد الذي تعتقد لوقوعه أن الجن أصابه فإذا تلت هذه التعويذة هرب الجن وزالت الإصابة لأن الجن عندهم يخاف الذئب .

2- يعتقد الأهالي إن الذئب عدو للجن وأن الذئب كلما شاهد نيزكاً يخرُ * يركض باتجاه سقوطه لأنه لا يسقط إلا حيث يتجمع الجن ويحاولون الارتقاء إلى السماء بارتقاء بعضهم فوق بعض ليسترقوا أنباء السماء التي ترسل النيازك لتصعقهم والذئب يركض في اتجاه نزول النيزك لكي يُدرك بقايا الجن التي أهلكها النيزك يبحث بأظافره في الأرض عنها ليأكلها وهو بذلك يُشارك السكان باعتقادهم هذا .

3- تعلق الأمهات سن الذئب على ثياب الطفل أو على شعره يعتقدون أنها تحمي الطفل من إصابة العين الشريرة التي يصوبها بعض الناس إلى الطفل أو الأذى الذي يمكن للجن أن تلحقه بالطفل معه و ( خضرمة ) أي خرزة زرقاء * وهذه عادة شائعة في ريف الفرات بسورية والعراق وهو حرز من الحروز عندهم .

4- يتشائمون من سماع عواء الذئب وهو دليل شؤم ونذر بفقد قريب .

5- يعلقون قسماً من ذنب الذئب على طاقية الطفل في ريف الفرات يكون بمثابة عرف وتميمة لحماية الطفل من العين الشريرة ومن الجن .

6- ينزعون الجلد الذي يحيط بفم الذئب بعد مقتله ويسمى ( ملثم الذئب ) يجففونه ويستعملونه بعد نقعه في الماء بوضعه بعنق الطفل عند ولادته مؤقتاً إذا كانت أم الطفل ( متبوعة ) أي تلاحقها التابعات وهن الجنيات يأخذن أطفالها .

7- ينزعون العين اليسرى للذئب ويجففونها ليحملها من يريد أن يساهر الليل .

8- يعلقون جلد الذئب في البيت كتميمة تطرد الجن .

9- يتداوون بأكل لحم الجنب الأيمن لمن يعاني من الروماتيزم بساقيه .

10- يطعمون الطفل كبد ذئب ليقوى ويكتسب الجرأة .


وقد جاء ذكر الذئب في عدة أمثال شعبية يتداولها الناس في أنحاء وادي الفرات في كلامهم وأحاديثهم يُعبرون بها عما يقصدون من معاني ويشبهون بعض الأشخاص وتصرفاتهم وسلوكهم بالذئاب وأخلاقهم وتلازم هذه الأمثال عامية أبناء الفرات ومنها :
*- لا يجوع الذيب ولا يفنى الغنم .
*- الذيب يعرف دركات أخوه .
*- ذيب شلوه .
*- اذكر الذيب وحضر القضيب .
*- رديهم ردي الذيب .
*- عينه عين الذيب .
*- لفلان جبدة ذيب .
*- صرنا غنم والذيب يرعى بينا .
*- ألما يصير ذيب تاكله الذيابه .
*- مودع الغنم للذيب .
*- مثل ذيب الظلمة .

وقد ورد في الأمثال العربية القديمة :
(( أوقح من الذئب ))
(( أيقظ من الذئب ))
(( أحول من الذئب ))
(( أخون من الذئب ))
(( أظلم من الذئب ))
(( أعق من ذئبة ))
(( أخف رأساً من ذئبة ))

وعندما يحث أبٌ ابنه على الإسراع في تنفيذ شيء يطلب إليه فإنه يقول ( ها ذيبي ) فإنه يريد من إبنه أن يكون كالذئب في سرعته و" ها اختصارها هيا" .
- وعندما يطلب شخص من شخص آخر نفعاً أو حاجة يقول : (( إلك ولّا للذيب )) فيجيب الشخص المُخاطب ( يخسأ الذيب )) .
وهناك تسميات في الفرات مثل ( خوي الذيب ) أي أخو الذيب ومصدر التسمية : إن بعض الذئاب توآخي بعض الغنم والجمال .

وقد ورد ذكر الذئب بصفاته وطباعه وأحياناً باسباغها على بني البشر في مختلف أنواع الغناء الشعبي الغزلي والبكائي والحماسي في وادي الفرات ومنها في المعادة والندب :

دزيتلك يا ذيب الحويجة ****** ونريد يا مشذوب البنيجة
دزيت لـذيب الذيـــاب ****** يعض الخصم يحط بيه ناب

وفي غناء النايل :
ذيب الخمش ضامري *** ومخالف النابات
ودواي ما هو يكتب *** عندك يبو الشامات

وفي غناء الميمر :
أم الخديد الواردتين العاوي *** والطوق من ثقل الجديله عاوي
مسلاج لولا الذيب يسلا العاوي *** لولا حليب النوق يلبى ويخثر

- وجاء ذكر الذيب في هوسة الغنابزة تخليداً لملحمة بطولة حمود الحمادي ضد الفرنسيين عام 1922 م :
حمود الجاعد باللايح *** جم ضابط من جفوا طايح
تسلم يا ذيب الطوايح *** ومعشاك بروس العسكر

وقال أحدهم وقد سُجن مع حثالة من المساجين :
عقب ما جنت ذيب للسرية وقعت ما بين بشت وسرسريه
أنا لعن عنين الدلم بسكوت عليل وحيف أنام الليل بسكوت
يهل تنشد عن الزينين بسكوت غدوا طليان بحلوق الذياب

وقال أحدهم يُحذر أخته من الذئاب البشرية :
بالج من الذيب لا يعضج بنابه ***** ويسومج السوّام يلقى العذاريب
فردت عليه مفتخرة بعفتها :
إحنا بنات العذيات ***** الما خمنا ذيب يا ذيب


وجاء في قصيدة لمحمد الفراتي بعنوان ( على من يقع اللوم ) عام 1958م :
على من يقع اللوم ***** على من أيها الناس
وباب النشل مفتوح ***** وما في الباب حراس
وكل موظف ذئب ***** حديد الناب هرماس

- وتحفل الذاكرة الشعبية لأبناء الفرات بقصص وافرة حول الذئب باعتباره من حيوانات براريهم عرفوه واختبروا أطباعه وأخلاقه وصلت إليهم أخبار وقصص كثيرة بالرواية الشفهية عن أسلافهم ومعاصريهم * منها قصص واقعية مع بعض التحريف وقسم آخر موضوع قصد منه غايات أخلاقية ومتعة فنية وضعه أشخاص بارعون ليقصّوه في مجالس البادية التي تتطلب القصص من هذا النوع لملائمتها لحياتهم .
- والذئاب بمعتقد الفراتيين منها المسالم الذي يرافق السالك في البرية يؤنسه ولا يؤذيه وقد يؤاخيه ومنها الشرير المؤذي للإنسان * وقصص أبناء الفرات حول الذئب متأئرة بهذا المعتقد وهي كثيرة كحبات الرمل ومنها :
( أن رجلاً ربى جرو ذئب حتى كَبُر واستأنس * وكان للرجل ولد صغير نشأ مع الذئب وفي أحد الأيام كان الرجل خارج بيته ولم يكن في البيت سوى الطفل والذئب* فكان الذئب ينظر إلى الطفل بعين الافتراس فيدنو منه * ولكنه يعود فيتراجع ثم يعود فيدنو من الطفل وفي نفسه افتراسه فيحجم ويتراجع وفي أثناء ذلك يعود والد الطفل ليشاهد هذا المنظر فيسرع ويأخذ الذئب إلى البادية ويتركه في حظن أمه "الطبيعة" وقد عزّ عليه قتله لأنه رباه منذ أن كان جرواً وقفل راجعاً .
ومنها أيضاً أن أعرابياً ربى جرو ذئب صغير فاحتمله إلى خبائه وقرب له شاته ترضعه فلم يزل يمتص لبنها حتى كَبُر ثم شد على الشاة فقتلها فقال الأعرابي يذكر ذلك ويصور مصبه بشاته :
بقرت شويهتي وفجعت قلبي ***** وأنت لشاتنا ولد ربيب
غذيت بدرها وربيت فينـــا ***** فمن أنبأك أن أباك ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء ***** فليس بنافع فيها الأديب

- ولا يزال الذئب يعيش في بادية الفرات وهو من اللون الأغبش العادي الأسلت المؤخرة يهاجم الأغنام في مراعيها وخاصة بعد الغروب وهو جريء لا يهاب كلاب الرُعاة ولا الرعاة أنفسهم المسلحين بالبنادق والفؤوس يضرب الأغنام في رقابها وبطونها وأفخاذها .

خاص للمنتدى الرسمي لقبيلة العقيدات

الأخوة الأعزاء :

سعد العكيدي

ابن حسين


نور المنتدى بمروركم العطر

مشكور اخي رامي
لهذا المجهود الرائع
في ابراز هذا الحيوان وارتباطه ببيئة الفرات
تحيااااااااااتي

حياك الله أخي زيزو الفرات

وان شاء الله نستمر في العطاء ..

نورت