بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جامع بني امية في دمشق هو اكمل واقدم أبدة اسلامية ما زالت محافضة على اصولها منذ عصر منشئها الوليد بن عبد الملك الخليفة المصلح الذي حكم 86/ الى /96 وخلال حكمه كان منصرفا الى الاعمار والانشاء وكان بناء الجامع من اكثر الامور اهمية عنده ولقد استعان في عمارته بالمعماريين والمزخرفين من اهل الشام ممن كان لهم الفضل في بناء كثير من المباني في دمشق ولعل منهم من مضى الى المدينة المنورة في ايام الوالي عمر بن عبد العزيز وبامر من الوليد لاعادة بناء مسجد الرسول على طراز الجامع الكبير بدمشق

لقد اقيم المسجد الجامع بدمشق بشكل مؤقت بعد فتح بلاد الشام في الحهة الشرقية الجنوبية من اطلال المعبد الروماني الذي انشئ في القرن الاول الميلادي وانشئ في جدار هذا المعبد اول محراب في الاسلام مازال قلئما صلى فيه الصحابة مع خالد بن الوليد وابي عبيدة الجراح القائدان اللذان فتحا دمشق الاول عنوة والثاني صلحا واعطى خالد لسكان البلاد عهده بالحفاظ على ممتلكاتهم معابدهم ومساكنهم
وفي عصر معاوية بن ابي سفيان واليا ثم خليفة اموي كان يصلي فس هذا المسجد المؤقت يدخل اليه من الباب القبلي الروماني وما يزال قائما في دار القبلة
كان معاوية قد انشأ لنفسه قصر الخضراء المتاخم لهذا الجدار وقد انشأ معاوية في المسجد مقصورة خاصة به هي اول مقصورة في الاسلام
أثر زلزال عنيف اتى على المعبد لم يبق قائما الا الهيكل ناوس الذي يقع في منصف فناء واسع محاط بجدار مرتفع تخترقه اربعة ابواب من الجهات الاربعة وكانت كلها اطلال وكان يحيطها سور اخر معمد
ولقد استعمل المسيحيون من سكان دمشق هذا الهيكل كنيسة وكانوا يدخلون من الباب ذاته الذي اصبح يدخل منه المسلمون الى مسجدهم في الشرق
ولم يكن من السهل ان يبقى المسلمون في عاصمتهم التي اصبحت تحكم اوسع دولة وان يكون مسجدهم مؤقتا في دمشق وفي القدس فقام عبد الملك بن مروان بانشاء مسجد قبة الصخرة وباشر بانشاء المسجد الاقصى في المكان الذي صلى فيه عمر بن الخطاب عندما جاء الى القدس وقدم لسكانها العهدة العمرية
ولقد اكمل الوليد بناء المسجد الاقصى وباشر ببناء الجامع الكبير بدمشق بعد ان اتفق مع اصحاب الكنيسة الهيكل على ان يقدم لهم بديلها وهكذا استطاع البنائون الافادة من كميات هائلة من حجارة المعبد المتراكمة ومن اعمدته وتيجانه لاقامة جامع ضخم يعتمد على التخطيط الذي وضعه الرسول عند بنائه لمسجده الاول في المدينة المنورة وكان هذا المخطط يقوم على تقسيم الى بيت الصلاة والى فناء مفتوح . لقد استبقى الوليد الجزء السفلي من جدار القبلة اعاد الجدران الخارجية والابواب وانشأ حرم المسجد مسقوف مع القبة

وانشأ اروقة تحيط صحن الجامع واقام في اركان الجامع الاربعة صومعة ضخمة كذلك فعل في المدينة المنورة ولكن زلزالا لاحقا اتى على المنارتين الشماليتين فاستعيض عنها بمنارة في وسط الجدار الشمالي واصبح للمسجد ثلاث منارات اثنتان في طرفي الجدار الجنوبي وواحدة في منتصف الجدار الشمالي وتسمى مئذنة العروس
ولم تكن هذه المنارات او الصوامع موجودة في العصر الروماني يؤكد ذلك الشبه الكامل الذي نراه بين هذا المعبد ومعبد زفس المسمى حصن سليمان قرب الساحل السوري
كذلك لم تكن قائمة تلك الصالات الاربع الرحبة التي تسمى المشاهد والتي اصبحت جزءا من مقر الحكم الاموي مع اجزاء اخرى غربي وجنوبي الجامع ما زالت اثارها قائمة وكانت مخصصة للبريد وبيت المال والرسائل ويتحدث المؤرخون عن استقبال الخليفة لموسى بن نصير وطارق بن زياد وقد عادا من الاندلس وخلفهما ملوك الغوط والامراء وهذا الاستقبال الذي تم في في الحرم وغي القاعة الغربية وفي منشأت كانت قائمة في منطقة الغرب التي تسمى اليوم المسكية
تبلغ مساحة المسجد كله 157x97م وتبلغ مساحة الحرم 37x136م اما مساحة الصحن فهي 22.5x60م وينفتح في الصحن ثلاثة ابواب باب البريد من الغرب وباب جيرون من الشرق وباب الكلاسة من الشمال زباب الزيادة من الجنوب وينفتح من الحرم
اما الصحن فانه محاط من جوانبه الثلاثة باروقة شامخة ارتفاعها 15.35م ومن الجنوب تنفتح ابواب الحرم التي اصبحت مغلقة بابواب خشبية تعلوها قمريات زجاجية ملونة مع كتابات
وتنهض الاروقة على صف من القناطر المتراكية قنطرتان صغيرتان فوق قنطرة كبيرة وتحملها سواري مربعة ضخمة واعمدة .عمودان بين كل ساريتين في الجانبين ويبلغ عددها مجتمعة 47 سارية وعمودا وهي تشكل واجهات الاروقة وواجهة الحرم المؤلفة من جبهة ثلاثية ذات نافذة مفتوحة على طرفيها نافذتان دائريتان وتحت الجبهة واجهة مربعة في وسطها قو س كبير ضمنه ثلاث نوافذ وترتكز هذه الواجهة على ثلاث قناطر محمولة على عمودين في الوسط وركنين في الجانبين وتدعم هذه الواجهة من الطرفين دعامتان مربعتان ضخمتان وعلى طرفي هذه الواجهة تمتد القناطر المتراكبة تسع قناطر الى اليمين ومثلها الى اليسار شرقا ومن الرواق تنفتح على الصحن 24 قنطرة ومن الرواقين الشرقي والجنوبي تسع قناطر
اما حرم المسجد فهو مؤلف من قناطر متشابهة عددها 24 قنطرة تمتد عرضانيا موازية للجدار القبلي يقطعها في الوسط جناح متوسط يمتد من الجبهة الرئيسية وحتى المحراب ويغطي هذا الجناح المتوسط سقف سنمي في وسطه تنهض قبة النسر المؤلفة من قبة نصف كروية من الخشب المصفح ومن قبة ثمانية تنفتح فيها 16 نافذة وترتفع القبة عن ارض الجامع 45م وهي بقطر 16 مترا
وفي حرم الجامع اربعة محاريب المحراب الاصلي في منصف الجدار القبلي وهذه المحاريب مخصصة للمذاهب الاربعة وفي اعلى جدار القبلة تنفتح على امتداده نوافذ ذات زجاج ملون عددها 44 نافذة مع ستة نوافذ في الوسط ويقوم الى جانب المحراب الكبير منبر حجري رائع - ان جميع الزخارف الرخامية المنقوشة في المحراب والمنبر وفي المحاريب الاخرى هي ايات فنية صنعها المبدعون الدمشقيون الذين نقلوا فنونهم الى انحاء كثيرة من البلاد العربية والاسلامية
ولقد زينت جدران الحرم بالفسيفساء والرخام وما زالت اقسام كثيرة من الفسيفساء الاموي قائمة في الحرم من الشمال على الرغم من النكبات الكثيرة التي اصابت المسجد
ولقد وصف ابن عساكر موضوع فسيفساء الجدار الجنوبي على شكل كرمة ذهبية
وكانت الاروقة وعضاداتها وقناطرها مكسوة كلها بالفسيفساء الزجاجي وما زالت اقسام كثيرة باقية في واجهة الحرم وفي الاروقة ولقد اعيد بعض ما سقط منها وخاصة قبة الخزنة التي استعادت زخرفتها الفسيفساء مؤخرا وهذه القبة هي غرفة مثمنة تعلوها قبة محمولة على ثمانية اعمدة كانت تحفظ فيها اموال المسلمين ثم اصبحت لحفظ المخطوطات الثمينة ولقد انشئت هذه القبة في العصر العباسي 780 م وثمة قبة اخرى هي قبة زين العابدين او الساعات مازالت قائمة ولقد اعيد مؤخرا 1995 بناء قبة الوضوء العثمانية 1769م التي كانت في منصف صحن الجامع تحمي بركة ماء للوضوء
ويبدو الجامع مهيمنا على دمشق القديمة بهامته المتجلية بقبة النسر وبماذنه الثلاثة التي اقيمت في وقت لاحق فوق الصوامع الاموية التي كانت مجرد بدن دون منارة عليه كما هو الامر في الصوامع المغربية والمئذنة الشمالية هي الاقدم ولقد اضيف اليها منارة في عصر صلاح الدين ثم في عصر العثمانيين وفوق الصوامع انشئت المئذنة الشرقية في عصر الايوبيين ثم العثمانيين والمئذنة الغربية انشاها السلطان قايتباي
متحف الجامع الاموي
في ركن الزاوية الشمالية القريبة من الجامع اقيم هذا المتحف عام 1989 ويضم نفائس الجامع القديمة وبعض الاحجار والسجاد واللوحات الخطية الجميلة مع مصابيح انارة وقطع فسيفسائية وخزفية وزجاجية ونقود اسلامية وساعات وصفحات من المصاحف المخطوطة القديمة