كانت قبيلة شمر ولاتزال في منطقة حائل في نجد، وقد دفع الجفاف والمحل بقسم من بطون شمر للهجرة الى الشمال كما كانت تهاجر قبيلة عنزة وأكبر هجرة هاجرتها شمر نحو الشمال كانت بقيادة مطلق الحميدي ( الجربا) عام 1785م، وبقيت عبدة من شمر تترأس قبائل شمر في الجنوب، ولم تنقطع صلات شمر الشمال بشمر الجنوب مطلقاً، فكانوا يقومون بحملات عسكرية لمساندة شمر الجنوب ضد السعوديين من العنزة، ففي إحدى المعارك قتل مطلق الجربا على حدود السعودية وهو و يناصر آل الرشيد حتى بسطوا سلطانهم على كامل نجد في الفترة من (1868-1895) وسرعان ماتبدلت الاحوال ومالت كفة التوازن لصالح السعوديين عندما استولى عبد العزيز السعود على حائل عام 1920 م فبعد هذا التاريخ أتخذ شمر الشمال موقف الثبات في الجزيرة، بل وعززت تواجدهم موجات من شمر الجنوب ففي العشرينات من هذا القرن كانت مضارب شمر تشاهد وهي ترتحل من البوكمال حتى الخابور.
تتمايز قبيلة شمر في بطون هي : عبدة، وسنجارة، وقيل الاسلم، ولكن مايهم المنطقة المدروسة القعيط من شمر الذين يرجعون إلى خرصة شمر، فقد اختلفوا مع العقيدات إثر حادث أليم.. فقد كان حسين الكسار من البكير من العقيدات يقوم بالاغارة على بدو الجزيرة ليلا ويأخذ إبلهم، وفي كل مرة كان يعود بغنائمه ويمر بديار القعيط بدو الجزيرة ليلا ويأخذ ابلهم، وفي كل مرة كان يعود بغنائمه ويمر بديار القعيط ومن عادة الغزاة اذا مروا بمضارب الاصدقاء أن يشربوا القهوة العربية في بيت المضيف فمر أصحاب حسين على مضافة القعيط ومنهم الرامي الشهير في العقيدات على السويجى وتنكر حسين في الإبل ورفض دخول المضافة حتى لايعرفه أحد، فسأل الشيخ حمود القعيط لماذا صاحبكم لم يمر ؟ فقالوا : ياطويل العمر انه مريض، فشك في الأمر، وذهب إليه بنفسه وبرفقته أحد العبيد، وطلب منه الذهاب لتناول القهوة فرفض فضربه بالسوط فتناول حسين الكسار البندقية وقتل حمود القعيط وهرب، فقام الخرصة وقيدوا علي ورفاقه وقتلوهم بدلا وثارا لحمود، فكانت الشرارة التي اججت نار الحرب بين شمر والعقيدات وتوالت الغارات والتي كانت سجالا بين شمر والعقيدات مابين كر وفر مع بعض القصائد والتي كانت منها قصيدة لعلي السويجي يعاتب بها شمر :
يامكسي الرياض الممحلات بدونه
يارب يامدبر الهبايب والامطار
ومـن الميارج شايبات متونه
وياراكبا حمرا من الهجن معطار
كيف المنيع بحظكم تكتفونه
سلم لابن هدوان وشمر الكبار
عـقب السلامة والوعد تذبحونه
على وصى لكم وثان لكم جار
لابـد حديكم لابتـــــه يفقدونه
سديتها بالفضل يابن نصــــــار
خذوا وفاتـه حين ما تذبحونه
بالبندق اللي ناجله جلـب طيار
عيـال الأبــــرز ثأرهم ياخذونه
ومن عقله عسيلة لــرجم عيــار
كانك وليــت جنـاع فقس عيونه
سارى شبيه الطير بكف صقـار
ذبحم بدال حمودهــــم يذكرونه
والصيت لشتيمان مع ابن كسار
وبالفعل شكل العـقيدات جبهة بوجه شمر طولها أكثر من مئة وأربعون كيلو متراً في قسمها الشمالي البوكمال من العـقيدات، وفي قسمها الأوسط الشعيطات والأذار وفي قسمها الجنوبي الدميم والمريح والحسون، وفي احدى المعارك قتل صفوك الفيصل عام 1942، وفي 1945 شن الخرصة من شمر هجوماً على الشعيطات ونهبوا دلال القهوة من مضافة عبد الجزاع، وهذه مسبة كبيرة في العرف العشائري، وفي 1947 هجم العقيدات على القعيط في مغيليت قرب سبخة الملح في الجزيرة، وقتلوا مجموعة من خيرة شجعان شمر، وجلبوا دلال القهوة منهم ومن القتلى جناع النصار القعيط، وقد جردت شمر للثار، وكادت أن تدور معركة كبيرة في سهل الروضة لولا تدخل شرطة البادية السورية التي نظمت حديثا بعد الاستغلال ومنعت الغزو نهائياً.
ومن القصائد التي قيلت في هذه الحرب قال الشاعر محسن من جماعة ابن عجل من شمر :
انا احمد الله يوم ربى مجالـي
أرسلت من عندي مكاتيب وعلوم
لي عادات ماسوم اول وتالي
لابن هفل شيخ العقيدات تسلوم
لو الحكومة يتركون الاهالي
والله ياجدعان دين لك لزوم
ونخلى الخابور والشط خالي
نبي نصبحكم بجمعين مزهوم
أما انت ربعك رجمت بالسهال
انتم ذبحتم واحد راح مرحوم
تبى ضمكم مادور الحلال
غوش الطنايا يوم توجف على الدوم
أو القعود اللى حداه جفال
واقفيت مثل الخرب لوطالع الحوم
فرد عليه خلف السراوي من العقيدات، وقال :
حمرا تحايد عن خيال الظلال
ياراكب اللى يزهاله الخرج والكور
عقاب مثل ذياب ولد الهلالـــي
ملفاك شيخ منزلة شمخ القــــــور
محسن ردي الحــظ شين الفعالي
الهرج منكم قايله تايه الشـــــــور
أهل الرباع مبهرين الـــــــدلال
ماينتسب سب الحمايل أهل الزور
مثل الحراري تصبوا بالمعالـــــي
عيال الابرز باللقا مابها قصـــور
وعفت الرباع السود هن والحلال
كدوا عليكم واصبحوا فجة النـور
فود النشامى مرخصين الغوالـــي
والعوج جبناهن وطبن الـــــــزور
وردوا جموعا مثل غيم الشمالــي
ماتندعى للحكم صاروا لكم سور
الخلاف بين شمر والعقيدات
بدأ في صيف عام (1941م) عندما قتل العقيدات صفوق الفيصل ابن عم صفوق بن عجيل ( الياور) شيخ شمر العراق، في غزوة كان يقودها على العقيدات داخل الحدود الشامية ( السورية ) التي تخطاها فحدثت فتن ومعارك كثيرة من جراء هذا القتل، وأتسع الخرق وثأر شمر الجزيرة من العقيدات لابن عمهم المقتول، وسلبوا لهم غنما وفيراً، جله لتجار دير الزور وعقد مؤتمر للصلح في الموصل، قرر المحكمون فيه (قاعدة الحفر والدفن)(1) لكن هذا الصلح لم يرق للعقيدات فجددوا غاراتهم على شمر العراق وذلك لأن الشيخ فارس حسين الجراح (الدميم) والشيخ مشرف الدندل (الحسون ) وتركي النجرس لم يرضوا بموقف الشيخ جدعان الهفل الذي لم تستشر الحكومة سواه في المفاوضات عن جميع العقيدات فأعيد المؤتمر في دير الزور في شباط 1942وعقد الصلح نهائياً ووقعه كل شيوخ العقيدات كما وقعه الشيخ صفوق الياور، وأعيد الغنم المنهوب الى أصحابه ولكن هذا الصلح لم يدم طويلاً فتكررت غارات العبدة من شمر على العقيدات مرتين خلال عام 1945 .