استيقظ أبو علي منكوش الشعر ..على صياح أم علي وزعيق علي ، فالساعة السابعة والنصف واقترب وقت المدرسة
واقتربت رنة الجرس ، وعلي لم يستعد ولم يلبس مريوله للذهاب إلى المدرسة.
همّ أبو علي من فرشته مستفسرا لما يحدث.؟
فتصرخ أم علي قائلة لأبوعلي: ( تعال شوف ابنك.. تعال شوف كبرتك..!!)
متعلملي كلمتين من التلفزيون ويقلي( انو اليوم مضرب عن الدوام..!!؟)
تحمر عيني أبو علي ..ويتخنق وجهه..
ويزأر في وجه ابنه علي قائلا : ( شنو قصتك يا..!!)
عندها اغرورقت عيني علي وسالت دموعه اللؤلئية على خديه
فهو ذاك الطفل المجد المهذب يجد نفسه في موقف ضعيف
وربما اخطىء في حساباته حين اضرب عن الدوام..؟!
وعندما يرى أبو علي ابنه باكيا يرق قلبه ، ويهدأ قليلا ثم يقول لام علي أن تُحضّر له إبريق من الشاي
ويطلب من علي أن يجلب له ( باكية الحمراء الطويلة..) ويلحق به إلى الغرفة المجاورة
وهناك يجلس الوالد وابنه في تلك الغرفة الصغيرة البسيطة الأثاث.
بينما أم علي انشغلت بصنع الشاي.
عندها يقول أبو علي لابنه : ( ما عهدتك هكذا يا رجل عيب عليك تبكي فالدموع للنساء..!).
و يمسح علي دموعه بيده الناعمة الصغيرة ..
ويبتسم أبوعلي قائلا: ( شو علوش ليش مضرب عن الدوام..؟؟!)
يبدأ علي يشرح لأبيه سبب هذا الإضراب مع تنشيجات تخرج من بين كلماته.
فيقول : لقد دخلنا في الشهر الثالث من بدا دوام المدارس والى الآن لم تشتروا لي صباط ..؟؟!
فيقهقه أبو علي ضاحكا..أي وبعدين يا علوش..؟!!
ويتابع علوش : وفوق كل هذا يوجد ثقب في أسفل صباطي يشرب من كل الغدران في الشارع (وأنت أدرى بشوارع مدينتنا..؟؟؟!)
عداك عن كرات البحص الصغيرة التي تلعب في أسفل قدمي.
يصفن أبو علي وفي عينيه حسرة تمتزج بدخان سيكارته.
ويجد أن ابنه على حق ، ويجد نفسه المتهم الذي يُقاضى أمام ابنه..
فيمسح أبو علي وجه ابنه ويقول له : اليوم يا علوش راح اشتري لك أحسن صباط بس اليوم دبّرها وروح على المدرسة.
فيبتسم علوش وينتشي سرورا لهذا الوعد .
ويذهب علوش لمدرسته مودعا أمه بعد أن اعتذر منها.
وبعدها تجلس أم علي وأبو علي ..ويبدأ أبو علي تذمره ( لك ينعن أبو هالراتب ..شنو بدو يكفي ليكفي
علوش بدو صباط..فاطمة بدّها حقيبة ،وأنتي بدك فستان جديد ، وبدنا مازوت للشتوية وبدنا..وبدنا..)
لك آخ ..يا أم علي شو هالإقتصاد الذي يُسيس البلد..
وين الاشتراكية التي بحت حناجرنا من النداء بها ..؟؟! فهناك من يلعب بالمصاري لعب بسهرة واحدة من سهراته يصرف ثمن ألف صباط ،
وعلوش ما عندو صباط مثل الخلق ..؟؟!!
وين الاقتصاد وين محاربة الفساد وين تحسين أحوال الموظفين والشعب..وين هذا كلو...؟؟!
وكل يوم وزير اقتصاد جديد ، وكلهم مثل بعض ، بل على العكس هذا الأخيرمو شاطر غير يكثر الضرايب علينا
وتجده مبتسما على شاشة التلفزيون معلنا عن ضريبة جديدة.
وبعد كل زيادة تلحقنا ألف ضريبة ، لك صرت اكره الزيادات..؟؟!!
والله يا أم علي أظن ما في حدا يشتغل بكثري بس على قولة المثل : ( مثل دبك خرمة)
إيد من ورا وإيد من قدّام..!!
لمعلوماتك يا أم علي : انو سورية تعتبر أغنى بلد بالعالم من حيث الثروات..؟؟
بس لازم يسمعوا انو سورية أغنى بلد بالفساد وأغنى بلد بالفقراء والمحتاجين...
لك إيه يا زمن..!!
وفي لحظة صمت تلف الزوجين ..تتنهد أم علي وتقول : اشرب كاستك يا أبو علي ..
ولسا الدنيا بخير ..والحمد لله على الصحة والعافية وضعنا أحسن من غيرنا بألف مرة..
وانشالله تفرج..!
يشرب أبو علي كاسته ويذهب إلى المدرسة ويطلب إذنا لابنه علوش ويترافقان باتجاه متجر أبو قتيبة ليشتريا حذاء لعلوش
وتغمر علوش سعادة كبيرة ( فقد خلص من همّ الحصص في هذا اليوم وسيتحقق حلمه ويشتري حذاءً جديدا).
وبالفعل يشتري علوش حذاءً اسود لامع ،ويشكر والده بقبلة على صفحة وجه السمراء.
وفي الطريق يصارح علوش أبيه ، ويقول له : تعرف يا والدي انه لربما من أسباب نجاحي في المدرسة هذا الثقب الذي
في أسفل صباطي.!
فيستغرب أبوعلي ويرد على ابنه مستفسرا وكيف يكون ثقب صباطك هو سبب نجاحك..؟؟؟؟!!
فيقول علوش: إن الأستاذ ( أبو عدي ) حين لا يكتب احدنا الوظيفة ، أو لايحل مسائل الرياضيات ، أو لا يحفظ دروسه
يعاقبه ( بفلقة من كعب الديس) فهي العقوبة المفضلة لديه.
وأنا لربما لا يهمني ضرب العصا ( أو بالاحرى) أستطيع تحمل ضرب العصي.
لكن ما يهمني ويجعلني أثابر أن يكتشف أصدقائي في الصف ذلك الثقب في صباطي وهذا الشيء مخجل بالنسبة لي
فانا أجد وادرس لكي أتحاشى هذا الموقف ( الفلقة) وحتى لا يستطيع احد ما اكتشاف هذا الثقب ويتمسخر علي ..
فيضحك أبو علي مقهقها بأعلى صوته ، ويحضن ابنه علوش ،
ويقول له : تعال لنثقب لك الصباط الجديد ثقبين لكي تتضاعف جهودك مرتين هاهاها..