السلام عليكم
كما وعدكم هذه القصة حقيقية وموجودة في كتاب تاريخ دير الزور للكاتب المؤلف الاستاذ / احمد شوحان
قرأتها وتأثرت بها ، بحثت عنها في الانترنت ولم اجدها ، فقررت كتابها والحمدلله تم ذلك وهاهي أما أعينكم فأترككم مع الاحداث .
خضراء ... بتول الفرات
كان يا مكان في قديم الزمان والقصة حقيقية كانت دير الزور بعيدة عن مراكز المدن الكبرى ، التي تمتاز بالحركة الفكرية النشطة ، وتقدم المعارف والعلوم ، لذا كانت الحركة العلمية والأدبية متردية في سائر عصورها .
ولم يكن بها سوى مكتبة واحدة في سوق التجار ، فيها بعض الكتب الشعبية ، وبعض كتب الفقه والأدب .
ومن يقرأ القرآن الكريم ، ويحسن القراءة في كتب سيرة بني هلال ، والتغريبة ، والزير سالم ، فإنه يكون من القلائل الذين يشار لهم بالبنان ، ويوسع لهم في المجلس ، ولهم مكانه خاصة في الدواوين ، حيث يلتف حوله أشياخ تلك الأيام ، وعشاق المجالس ، ليقرأ لهم فصلاً من تلك الكتب الشعبية الرائجة .
وصاحب تلك المكتبة المتواضعة شاب من أهالي دير العتيق ( دير الزور ) حالياً .
حيث كان يبيع الى جانب الكتب والقصص الشعبية بعض ما يحتاجه أهل العلم من أقلام ودفاتر وحبر .
هذا الشاب اسمه عبد تعلم في المدرسة الإعدادية في أواخر العهد العثماني وتخرج منها ، انه شاب في الخامسه والعشرين من العمر فارع الطول ، أسمر اللون ، نحيف الجسم ، يلبس طربوشاً قاتماً وزبوناً مخططاً ، وسترة جميلة .
كان خجولاً ، هادئاً ، يأنس الناس ويأنسونه .
لا يكاد يمر شخص من أمام دكانه إلا وينظر الى ذلك الشاب الذي طأطأ رأسة فوق صفحة كتاب يقرأ فيه .
زبائن كثير كانو يترددون على مكتبة (( عبد )) يشترون ويذهبون بعضهم يعود اليه كل شهرين وبعضهم كل عام وأخرون لا يرجعون اليه .
لكن صاحب المكتبة الذكي ( عبد ) شاهد فتاة تتردد عليه بين الحين والآخر تشتري الكتب الصغيرة ، فتدفع له ثمنها ، ثم يجول نظرها في الدكان فتنصرف ، وتعود اليه بعد ايام حين تنتهي من قراءة ما اشترته من كتب .
كانت تلك الفتاة اذا عادت الى المكتبة نظرت الى (( البسطة )) حيث يعرض عليها عبد آخر ما صدر من كتب في دمشق والقاهرة وبيروت ثم تنظر الى عبد وهو يقرأ في كتاب وقد جلس على كرسي خشبي كبير .
تلك الفتاة التي عشقت الكتب هي (( خضراء )) من دير العتيق وتسكن في بيت أهلها المجاور لدار أهل عبد .
انها في ربيعها الخامس عشر ، جميله ، ولطيفه ، تعلمت عند (( الملا )) وأولعت بقراءة الكتب .
كان عبد يعجب من شغف خضراء بالقراءة ، فكان يعطيها بعض الكتب الصغيرة مجاناً ، ويبيعها بعض الكتب الأخرى برأس المال دون أن يربح منها شيئاً ، وكانت تدلل عليه احياناً ، لأنها من الزبائن الدائمين ، حيث تعيد إليه بعض الكتب التي قرائتها ، فيبدلها بكتب أخرى ، لأنها تحافظ على الكتاب وتعتني به ، وحين يعزم السفر الى حلب ليجلب الكتب كان يخبرها عن موعد سفره ، فكانت تطلب منه ان يجلب لها بعض الكتب الخاصة ، فكان عبد ينال رضاها بهذه الخدمة ، ويفرح كثيراً ، ويرتعش قلبه كلما قالت له (( وفقك الله وأعادك بالسلامه )) .
ويسافر عبد ويبذل جهده للحصول على وصاة خضراء ، لينال رضاها ويسعدها بتلك الكتب الثمينه ، فكان يجمع كتبها ويربطها ، ثم يضعها في حقيبة يده بينما الكتب الأخرى توضع في علب خاصة ، وحينما يعود وتسمع خضراء بعودته من حلب ، تهرع الى المكتبه في اليوم الثاني ، وباستحياء وخجل تقول له بعد السلام (( الحمد لله على السلامه )) فكان يبتسم ويناولها ربطة الكتب التي أوصته بها ويقول لها : خذي هذه الكتب الى البيت فما أعجبك منها خذيه وما زاد فرديه .
مرت سنوات طويله على (( عبد وخضراء )) تقرأ ، وتتردد على المكتبه ، تصقل ذهنها ، وتشخذ فكرها ، وتنمي موهبتها ، وعبد كان يراقب تلك الفتاة ، ويسأل عن حسبها ونسبها ، ويحيط بأوضاع عائلتها ، بعد أن عرف كل شي عن أخلاقها ومعاماتها وثقافتها ودينها .
لقد أحبها حباً صادقاً ، وأحبتهُ حباً عفيفاً ، وراح كل واحد منهما يتمنى أن يكون زوجاً للآخر ، جاء كثيرون يطلبونها فرفضت ، أما هو فعرضت عليه أمه كثيرات فرفض .
وأخيراً اخذ جيرانها يتهامسون لماذا تتردد خضراء على دكان عبد ؟؟ ولماذا تقرأ الكتب التي يجلبها من حلب ؟؟
وسمع عبد بما يتهامس به الجيران ، فذهب الى والدته وأخبرها أنه يحب خضراء ويود الزواج منها ، لقد كانت أمه تتوقع هذا الأمر ، لأنها شعرت هي الأخرى كذلك بمحبتهما لبعض ، فلم تتردد في الذاب لحظة واحدة الى دار أهل خضراء لتطلبها منهم لولدها عبد .
فرحت عائلة خضراء بمصاهرة عبد ، وكانت خضراء اشد العائلة فرحاً ، لقد راحت تحلم في البيت الذي ستعيش فيه مع عبد ، وفي الأولاد الذين تنجبهم ، وسيكونون من أهل العلم والأدب ، وراحت تحلم اكثر من ذلك وابعد .
بعد الخطبة ازداد حب عبد لخضراء ، وصارت خضراء تخف من زياراتها الى المكتبة ، حياء وابعاد لشبه الوشاة والحاسدين ، وصار عبد كلما سافر الى حلب جلب لها الهدايه ( زجاجة عطر ، قبقاب خشب ، هبريه ،....الخ ) ثم يضيف الى ذلك كتاباً مما يراه مناسباً لها ، فكانت تفرح بالكتاب أكثر مما تفرح بالهداية .
واتفقت العائلتان على عقد الزواج ، فراحت خضراء الى صاحباتها تدعوهن للغناء في ليلة (( الحنة )) فأسرعن يحملن الدفوف ويلبسن أجمل الثياب .
وكتبوا عقد الزواج المبرر ، واتفقو على تجهيز خضراء غداً لتزف الى عبد .
لا أحد بالدنيا يستطيع أن يصف فرحة خضراء في تلك الساعة ، وكذلك كان عبد يكاد يطير من الفرح ، وينتظر ساعة الزفاف بفارغ الصبر ، لا يكاد يهدأ ، انه يتحرك دائماً ، ينظر يميناً .. يساراً يلتفت براسة وجسمه كله ، يشرد ذهنه ، يغوص فكره في متاهات لا يدري نهايتها .
أرسلت خضراء ثيابها وصندوقها المزخرف الى بيتها الجديد وراحت احدى خالاتها لتنظم البيت وتعلق الثياب في مكانها ، والصندوق والفراش في زوايا الغرفة ، ثم لتظع المرآة ومشط العظام على الرف المجاور لصندوق الزينه الذي حوى أصناف من العطور والكحل والزباد وغير ذلك .
وقبل ان تدخل خضراء دار زوجها الذي يرافقها ، قدمو لها زجاجة من العطر وكسرتها على عتبة الباب وأفرغت مابها من عطر على العتبة ، وفاحت رائحة العطر العبقة تزكم الأنوف ، استبشاراً بدخول طالع الخير ، وتفاؤلاً بالسعادة والهناء .
خضراء وعبد في غرفتهما الآن منفردين ، كل واحد منهم يريد أن يحتضن الآخر بقبلة ، وامامها عش الزوجية ، رشوه بالعطر ، ووضعوا بجانبه ابريق ماء وكأساً ، وقد علقوا القرآن الكريم فوق الوسادة في منتصف الجدار ، يقابله سيف .
في هذه الليلة سيلمس عبد لأول مرة في حياته جسد امرأة ، وستنام خضراء في حضن من أحبت الى الصباح ، الفراش المعطر امامهما ، السراج لن يطفأ في هذه الليلة ، امه وأبوه والمقربون اليه جلسوا خلف باب الغرفة خالات خضراء جلسن معهم ، ينتظرون خروج عبد من غرفة العرس ليطلقو عياراتهم النارية ، ولتلهج ألنسة النساء بالهلاهل .
أوى عبد الى فراشه واوت خضراء اليه ايضاً ، تعانقا ، قبل كل واحد منهم الأخر عشرات القبلات ، كان الصمت بينهما هو الذي يتكلم عما يجيش في نفسيهما ، وقلبيهما وروحيهما .
طال مكث عبد في الغرفة ولم يخرج ،وبعد ساعة متأخرة من الليل قالت أمه لمن حولها : ان عبد خجول حيي ، فلينصرف كل شخص الى بيته . وذهبوا ...
عبد وخضراء ، ناما في الفراش متعانقين الى الصباح ، واستيقضا على صوت نقر على الباب . عبد ... عبد . قم ياولدي وتناول الفطور مع زوجتك خضراء .
إن الشمس لم تشرق بعد ، قاما من فراشهما ، ودخلا الى غرفة مجاورة فصبا على جسديهما الماء وعادا الى غرفتهما ، فصليا الصبح ، ثم جلسا ينتظران الطعام الذي اعدته لهم امهُ .
جاءت امه اليه تقبله وتعانقه ، وتعانق خضراء التي طأطأت برأسها خجلاً ، وراحت تمسح بشعرها وأكتافها بيديها قائلة : اللهم صلي على النبي وآل النبي ، اللهم أرنا خيرها وأكفنا شرها ، ونظرت اليهما بعد أن تركت امامهما سفرة الطعام قائلة : يا عبد كيف وجدت الزواج هل تم .... ؟ وصمتت وعرف عبد ما تقصده أمه فقال لها مقاطعاً : يا والدتي الحمدلله ... كل شي بتوفيق الله .
عرفت الام ان ولدها قد دخل بزوجته فراحت تطلق الهلاهل في ساحة الحوش ، بينما عبد وخضراء ينظران الى بعضيهما مبتسمين وهما يتناولان أول لقمة مع بعض .
وجاءت خالة خضراء في الصباح الباكر لتسأل عن الزواج المبرر ، فانشرح صدرها حين قابلتها أمه بالابتسامة المشرقة والترحيب الزائد : الحمد لله ، كل شي يتم بتقدير الله ، وجاءت فعانقت خضراء وباركت لهما بهذا الزواج ، وتمنت لهما حياة سعيدة .
كل الناس في دير العتيق (( دير الزور )) عرفوا ان عبداً رجل كبقية الرجال ، فلماذا لم ينجب أطفالاً ولم تحمل خضراء بعد ، كلهم يتسائلون ، وكثيرون منهم سألوه عن سبب تأخر حمل خضراء ، فكان يقابلهم بالخجل وأن الأمر مرجعه الى الله . وكثير ماكانو يقولون له : لقد مر على زواجك قرابة عام ، فاعرض نفسك علة طبيب !!!
كان كلما ذهب الى حلب ، تردد على الأطباء وباعة العقاقير المثيرة التي تقوي الباه ، وتثير الغلمه ، لقد شرح لهؤلاء الأطباء وضعه وأحواله ، فأعطوه الدواء مراراً ، لمن ذلك لم ينفعه شيئاً .
وفي احى ليالي الصيف الثاني لزواجهما ، جلس عبد منفرداً بداره يحمل هموم الدنيا كلها ، يغرق في التفكير ، يتيه في تساؤلات شاردة منه وواردة إليه: كيف ... متى ... لماذا ؟ ... واقتربت منه خضراء مداعبة تربت على كتفه : بماذا تفكر يا عبد ؟.
نظر اليها فشاهد ابتسامتها التي ازاحت عنه جانباً من الهموم . ثم عاد يطأطأ رأسه الى الأرض .
قالت: تكلم يا عبد !!! بماذا تفكر ؟ ولماذا لا تنظر الي ؟!
قال عبد : انني اطلب منك شيئاً يا خضراء ، وارجو ان تساعديني فيه ،
إنني لم أتمكن من الدخول بك . رغم مرور أكثر من عام على زواجنا ، فإما أن اطلقك ، وأدفع لك ما ترغبين من المهر المؤجل ، على أن لا تفضحيني في رجولتي ، حتى لا يعيرني رجال وولدان دير العتيق (( دير الزور )) الذين ولعوا بالألقاب والهمز ، وإما أن تصبري معي ، وترضي بما أنتي فيه ، فأنت سيدة البيت ، ونرجئ كل شي الى الله تعالى ، عسى ان يتبدل كل عسر عندي يسراً .
بتلك الكلمات التي قالها عبد الى زوجته البتول ، وضع عن كاهله تلك الأثقال والكرب التي أرهقته ، وكشف كل شئ عنه أمام زوجته .
بكت خضراء ... ورفعت رأسها قائلة : ياعبد !!! أتظن انني تزوجتك من أجل هذا !!! أتظن انني استعجلت هذا الأمر ، أو اهتممت به كما تظن ؟!! انني لا اتبرم منك لهذا السبب أو غيره ، هل طلبت منك طلاقاً ؟!! هل طلبت منك فراقاً ؟!! هل سمعت من احد انني تكلمت عنك كلمة واحدة تحط من قدرك ، وتمسك بسوء !!! سامحك الله يا عبد ...
لا أعرف والله يا خضراء ، لكنني اريد ان اكون برئ الذمة امام الله وامامك ، واريد ان اعرف الحقيقة ، حتى لا نسير في حياتنا الى على بصيرة .
قالت وهي تزيح عنه الهموم والأحزان : انني راضية بك زوجاً بهذه الأحوال ، فهل ترضى بي زوجة ؟!! انني لا اريد بديلاً عنك سادة الدنيا وكبراءها.
نظر اليها عبد ، والدموع تتساقط من عينيه ، ولفها بذراعة الحانية ، وعانقها عناقاً طويلاً شاركته فيه بسكب العبرات الغزار ، والدموع الساخنة .
وأويا الى فراشهما متعانقين ، لم يفصل بينهما إلا المؤذن يدعو للصلاة ، فقاما الى مزملتهما الكبيرة يغترفان منها ليتوضآ .
ذهب عبد الى الجامع ليصلي الفجر جماعة ، وجلست خضراء في زاوية غرفتها تصلي ، ثم راحت تعد له طعام الافطار .
كانت خضراء تذهب الى دكان زوجها بعد ان تنتهي من عمل بيتها ، وتجلس بجانب زوجها ، ونتيجة مجيئها المكتبة ، اصبحت تعرف اسعار الكتب ، وانواعها ، وطباعتها ، والمؤلفين ، وأشياء كثيرة حول ذلك .
كان عبد يفتح باب دكانه الثقيل صباحاُ ، ويستمر على كرسية الخشبي الكبير يقرأ الكتب الى صلاة الظهر ، وتأتي خضراء تجلس في مكان زوجها ، تلبس عبائتها السوداء وتقرأ ما شائت من الكتب الى آذان المغرب ، حيث يأتي زوجها بعد قيلولته فيغلق الدكان ويعودان الى البيت .
استمرت حياتهما على هذا المنوال الى اكثر من ثلاثين عام ، استطاعت خضراء ان تقرأ كتب الفقة ، والتفسير ، والحديث ، والتاريخ ، وقد اتسع افق معرفتها ، فكانت تناظر زوجها ، وتتحدث لزائرتها ، وحينما تذهب الى المآتم ، كانت ترشد النساء وتعظهن ، وتحثهن على الصبر والسلوان.
مرض عبد مرضاًُ طويلاً أقعده الارض ، وألزمه الفراش ، كانت خضراء تسهر على راحته ، وتسقيه الدواء ، وتجلب له الأطباء كلما استحكم منه المرض ...انها تجلس بجانب فراشه ، تدعو له ، وتقرأ القرآن ، وترجو له الشفاء العاجل ، فكان عبد يشكرها علة هذه الخدمة ، وذاك السهر الطويل ، ويدعو لها من سويداء قلبه .
لقد عرف عبد ان هذا المرض العضال سيؤدي به الى الموت ، فقرر أن يهبها كل ما يملك من بيت ومال ومكتبة وكتب ، واعلن ذلك مراراً أمام عواده وزائرية من أقاربه وأصدقائة .
وذات يوم كان رأسه في حجر خضراء تمسح جبينه بباطن كفها ، وتكف شعره المبعثر على وجهه ، تنظر اليه ، وينظر اليها ، اذ مال رأسة وهو يتمتم بالشهادة .
وشعرت بوفاته ، فأغمضت عينيه ، ورفعت حنكه المسترخي ، وغطت وجهه بمنديل من حرير .
وسمع الجيران بكائها فجاؤو مولولين ، باكين ، واجتمع أقاربهما ، فانسلت من بين النساء ، وجهزت الماء الساخن لتغسيله ، وراح الرجال ينهمكون في غسله وتكفينه ، ثم حملوه في نعش الى المقبرة ، كانت خضراء تكثر الترحم عليه والدعاء له بالغفران ، وكانت عبارة ، انا لله وانا اليه راجعون لا تغادر فمها .
لم تنثر شعرها ، ولم تشق جيبها ، ولم تقف الى جانب (( القاصودة )) في (( المعادة )) لتعدد محاسن عبد ، فهي تعرفه تمام المعرفه ، بل بقيت جالسه بالبيت ولم تخرج مع النساء الى المقبرة .
كانت صابرة محتسبة ، جلست تستقبل النساء المعزيات ، ولم تسمح لواحدة منهن بالبكاء والعويل ، وكانت تكفكف دموع الباكيات وتستر شعورهن بمناديلهن ، ثم تحضهن على الصبر . وطلبت من احدى النساء ان تقرأ لقرآن مدة المأتم التي استمرت سبعة أيام .
انتهى المأتم فراحت خضراء الى مكتبة زوجها الراحل لتبيع الكتب وتعيش ممكا تدره عليها من ارباح ، كان أقاربها الذين يذهبون الى حلب يجلبون لها الكتب التي تختارها ، خدمة لها وعطف عليها ، كانت تتصدق كثيراً على روح زوجها ، فلا ترد سائل ، فتصنع الطعام الذي كان يحبه فتوزعه على الفقراء والبائسين ، وتقرأ بعد صلاة الفجر القرآن الكريم ، وتهب روحه الطاهرة ثوابه .
كانت تفكر به ليلاً نهاراً ...وكانت ... وكانت .
مرت سنة على هذا الفراق القاسي ، فلم تعد خضراء تتمكن من فتح باب الدكان ، فلازمت فراشها ، ، هو فراش زوجها الذي كان ينام علية ، وفي نفس الغرفة والزاوية ، وشعرت هي الأخرى بالأجل يقترب منها شيئاً فشيئاً ، فكانت وهي في شدة الألم تذكر محاسن زوجها وسجاياه ، وتترحم عليه .
وجلست حولها نسوة من قريباتها ، فراحت تطريه أمامهن بأحسن الأوصاف ، وأنبل المزايا ،تمدحة كأجمل ما يمدح عاشق معشوقه ، وولهان تاه في حب محبوبه ، ونظرت في وجوههن وقالت لهن : انني لا زلت عذراء منذ اكثر من ثلاثين سنه من زواجي بالمرحوم عبد ، انه لم يدخل بي رحمه الله فأنا بكر الآن كما كنت في بيت أهلي قبل الزواج ، وأخبركن ، أن هذا الحديث لا يعلم به أحد من الناس غيركن قبل الآن . لقد كان باراً بي لم يحرمني شيئاً طلبته منه ، أرجوا منكن اذا مت أن تنفقوا هذه الكتب على طلبة العلم ، وكذلك أثاث البيت ومحتوياته على روحه الطاهرة ، وان تدفنوني بجانبه لأكون قريبة منه حياً وميتاً .
واخبرتهن انها تحتفظ بمبلغ من المال لكفنها ودفنها .
وأغمضت خضراء عينها ، ولحقت بزوجها عبد .
وعمل المقربون بوصيتها ، فدفنوها بجانبه ، وانفقوا الكتب على روح زوجها ، وراح الناس يضربون المثل بها في الوفاء وحسن العهد بين الزوجين فيقولون : (( وفاء خضراء )) .
ودنت خضراء في التراب ، ودفنت سيرتها في قلوب من عرفوها وذاكرتهم ، فكانت ألسنتهم تلهج بالدعاء لها كلما ذكروها أو ذكروا الوفاء.
تلك هي خضراء (( بتول الفرات )) رحمها الله .
يالله ماأروعها من قصة لقد شدتني طيلة القراءة صدقني ياأخي الشويطي إنني قرأتها على نفس واحد وبعد أن فرغت من قراءتها ترحمت على روح عبد وخضراء ووالديك ومشاركتك بهذه القصة الجميلة لا تقل أهمية عن وفاء خضراء وعبد
اللهم ارزقنا نساءا تفوق خضراء في وفاءها ومحبتها
كل الشكر لك أخي الشويطي على هذه القصة المعبرة والمؤثرة
إنها مثالا" للإخلاص والوفاء وكتمان السر وحفظه
تعليق على كتمان السروحفظه:
===============================
وين خضراء من نسوان هالأيام ماعلى لسانهم رباط
===============================
مع الإعتذار لأخواتنا في المنتدى ولكنها حقيقة