أشهر قليلة ونبقى على موعد مع الاستحقاق الذي بات يجتذب اهتمام السوريين في كل مرّة أكثر من سابقتها، وسنستغل فترة الهدوء التي تسبق عاصفة الانشغال بالترشيحات والتقاذف الإعلامي الذي يسبقه ويليه، لنفتح الحوار الهادئ عبر مجلة الاقتصادي:
على أبواب انتخابات الدور التشريعي التاسع ونقصد به الحالي الذي سرى مفعوله منذ نيسان عام 2007 وحتى ذلك التاريخ من العام 2011، ظهرت في تلك الفترة مجموعة من المقترحات شبه الرسمية، وتداولتها وسائل الإعلام على نطاق ضيّق حول تعديل الشروط الخاصّة بمرشّحي مجلس الشعب.
يومها تحدّثت المقترحات عن اشتراط لرفع المستوى التعليمي الخاص بمرشحي المجلس، من "الإلمام" أو "إجادة" القراءة والكتابة كما ينصّ القانون الحالي إلى حصول المرشّح على شهادة ومؤهلات علمية، قد تكون شهادة الثانوية بحدّها الأدنى أو الجامعية.
ويومها ظهرت الآراء المؤيّدة والمعارضة لهذه المقترحات، وبنى المعترضون آراءهم على أنّ ثمة شخصيات ذات وزن اجتماعي وحضور عشائري أو ديني أو ما شابه، ولكنّها لا تمتلك تلك المؤهلات العلمية التي تتطلبها هذه المقترحات.
وبما أنّ النقاش توقف آنذاك عند هذه النقطة، وبما أننا نعتبر أنّ الإعلام هو الذي يفترض أن يكون منبراً لمثل هذا الحوار فإننا نعيد إطلاقه من جديد، لاسيما أننا كمجلة اقتصادية متخصّصة لديها الكثير لتقوله ولتفرد صفحاتها للآراء والأفكار المهتمة والمعنية بالأمر.
ولنبدأ بتوضيح الرأي حول ضمان تمثيل الشخصيات التي لها امتداد اجتماعي وعشائري وديني، ممن يهمهم ويهم أتباعهم أن يكونوا ممثلين في مجلس الشعب، فالرأي الذي طرحناه آنذاك ونطرحه اليوم هو أنّ قانون الانتخابات السوري يضمن لكل فئات الشعب أن يرشّحوا وينتخبوا ممثليهم لمجلس الشعب، وعليه فإنّ أية شخصية نافذة اجتماعياً أو عشائرياً أو غيرها، يمكن أن تختار من تلك العشيرة أو المجموعة التي ينتمي إليها المرشّح الذي تنطبق عليه الشروط العلمية التي تمكّنه من أن يكون فاعلاً في هذا المجلس، فما المانع من أن يكون مرشّح العشيرة الفلانية طبيب أو مهندس أو مدرّس من أحد أبنائها، وهل من الضروري أن يكون شيخ العشيرة نفسه هو الذي يمثّلها في هذا المجلس الذي يحتاج لمشاركة فاعلة وليس لمجرّد تمثيل.
أليس من الأفضل لسمعة هذه المنطقة أو تلك العشيرة أن يمثّلها مرشّح له حضوره وله دوره المؤثّر في صياغة القوانين وتعديلها، وله بالنتيجة حضوره الإعلامي وحضوره المشرّف أمام الرأي العام، بدلاً من الاكتفاء بمرشّح لا يسمن ولا يغني من جوع، والذي يتحوّل عادة إلى ما يشبه مختار الحي الذي يقضي دورته الانتخابية في تلبية الطلبات الشخصية أو التوسّط بشأنها لدى بعض المسؤولين.
تبدو فكرة اشتراط التأهيل العلمي لأعضاء مجلس الشعب ملحّة أكثر، خاصة إذا ذكّرنا بأنّ قانون الانتخاب السوري الحالي، ينصّ على أنّ نصف أعضاء مجلس الشعب يجب أن يكونوا من العمال والفلاحين، وعليه فإنّ شرط المؤهّل العلمي يصبح أكثر إلحاحاً لضمان وصول أصوات العمال والفلاحين إلى تشريعات البلد بطريقة واعية وناضجة.
وهذا ما سيوصلنا إلى مرحلة تنسجم مع الانخفاض الشديد في الأمية والذي انخفض من 50% في مرحلة الستينيات إلى نحو 15% بحسب إحصاءات العام 2007 ولا ريب أنّها اليوم أقل بكثير.
وربما كان من المنطقي في الستينيات أو السنوات التي تلتها أن نحافظ على حصّة أو (كوتا) للأميين أو أشباه الأميين في أهم مؤسسة تشريعية في البلد، ولكنّها بالتأكيد مسألة غير مقبولة على الإطلاق ونحن على أبواب العام 2011.
والآن دعونا نتحدّث عن المعنى الذي يمكن أن يدلّ عليه اشتراط المستوى التعليمي المناسب لممثلينا في مجلس الشعب، إنّه يعني بكل بساطة أنّنا سنضمن ساعتها أن من يمثّلنا هو عضو فاعل ومشارك في صياغة القوانين والتشريعات، لأنّ عضو مجلس الشعب هو جزء من مؤسسة يطلق عليها اسم "المشرّع"، وعليه فإنّ كل عضو من هؤلاء الأعضاء هو مشرّع بذاته، وهذا ما يجعل الترشيح للمجلس أمانة يفترض أن نشارك جميعاً في ضمانة وصول الأنسب والأكثر فاعلية لأدائها، فإن كان بإمكاننا أن نقلّل عدد النائمين في جلسات المجلس من غير المهتمين، أو ممن لا يمتلكون أية خلفية عن الموضوعات التي يجري النقاش حولها، فإننا نفعل خيراً لهذا البلد الذي يستحق أن يكون ممثلوه في مجلس الشعب ومشرّعوه بالنتيجة هم أبناء القرن الواحد والعشرين وأبناء الانفتاح الاقتصادي والسياسي الذي تديره القيادة السياسية في سورية بطريقة أدهشت العالم، يستحق هذا البلد أن يكون نوّابه في مجلس الشعب بمستوى هذه المرحلة التي حوّلت سورية إلى بلد ديناميكي يعتبر الأكثر إصداراً للتشريعات والقوانين بين جميع الدول العربية، هذا البلد الذي تحوّل ويتحوّل كل يوم إلى ما يشبه خلية النحل الناشطة في البناء والإعمار والإصلاح والتطوير، لا يحتاج إلى تردّد في قبول الفكرة الصحيحة وتطبيقها اليوم قبل غد.