ما يجري اليوم في الدول العربية من حوادث وتحركات شعبية وتظاهرات واحتجاجات وما يحصل خلالها من صدامات وضحايا أمر جدير بالاهتمام ولا يمكن أن يمر دون تحليل عميق ودراسة واقعية لتحديد الأسباب الحقيقية وراء كل ما هو حاصل
إن النظر إلى ما يحصل اليوم في أجزاء كثيرة من الوطن العربي على أنه مجرد تحرك جماهيري يرتكز بعضه على مطالب خدمية ويرتكز البعض الآخر على مطالب لحقوق مدنية أو يتمحور بعض منه على مطالب في إصلاح الأنظمة و دساتيرها وقوانينها وربما وصل الأغلب الأعم منها في متوالية تصاعدية إلى حد المطالبة بإسقاط الأنظمة وتغييرها
إن النظر إليه ومن هذا المنظور نظرة قاصرة تفتقر إلى الواقعية العلمية والدقة وتعتمد الظاهر على السطح دون الغوص في الأعماق والبحث عن الأسباب الحقيقية والدوافع الكامنة خلف هذه التحركات والعوامل الخارجية والداخلية المؤثرة في مجرى الحوادث والتوصل إلى استخلاص النتائج وما يمكن أن تتمخض عنه هذه التحركات ومعاملتها مع معامل مصلحة الشعوب والأوطان ومقدار ما يتحقق منها إلى مقدار ما يمكن أن يصب في مصلحة قوى وأجندات خارجية إقليمية ودولية ربما تكون قد خططت لما يجري بعيداً عن الأنظار والأضواء وربما تكون بعيده عن مثل هذا التخطيط الإستراتيجي لكنها وضعته ضمن حساباتها وتمنياتها فكانت جاهزة لاستثماره وتطويره ودفعه في الاتجاهات التي تخدم مصالحها الذاتية دون الأخذ بنظر الاعتبار مطالب الشعوب أو تقدير تضحياتها خلال تصادمها مع الأنظمة الحاكمة و ما تمتلكه هذه الأنظمة من وسائل السلطة والقوة تجد نفسها راغبة أحيانا في استخدامها لردع هذه التحركات وقمعها وإجهاضها وربما في أحيان وحالات أخرى مضطرة إلى استخدامها للدفاع عن أنظمتها الذي تُعُده مشروعاً من منطلق نظرتها لحماية أوطانها و منع تطور الوضع إلى ما لا تحمد عقباه
إن ما يدعونا إلى التدقيق والتمحيص والتحليل هو التناقض بل التناقضات الكثيرة والكبيرة في المواقف والرؤى للكثير من الأطراف الداخلية والخارجية من القضايا الساخنة في العديد من الدول العربية هذه المواقف التي تعبر عنها وسائل الإعلام وبخاصة القنوات الفضائية الرسمية وغير الرسمية التي تبث على مدار الساعة وتنقل التصريحات والآراء للسياسيين الرسميين وغير الرسميين والمحللين والكتاب وأعضاء منظمات المجتمع المدني بعد أن تكون قد نقلت الحدث عبر الصوت والصورة وأخرجته بالشكل الذي يخدم الغاية والهدف الذي اعتمدته وكما تريد المرجعية السياسية أو الإيديولوجية التي تعمل عليها
على هذا الأساس ومن هذا المنطق يمكننا أن نتلمس لا بل أن نرى بوضوح ليس التناقض وازدواجية المعايير وحسب وإنما الحجم الهائل من الالتباس المقصود أو غير المقصود الناجم عن خلط الأوراق وتداخل الخنادق وتناقض الأهداف قد تكون دوافع بعضها مقصودة ومخطط لها ودوافع وتطورات أخرى ربما كانت محصلة للأسباب والدوافع الأولى
إن ما يثير الاهتمام ويدعو إلى التساؤل وربما إلى الشك لا يمكن في طبيعة التحركات الشعبية والمطالب المختلفة حتى التي تملأ أسقفها بعد أن تصاعدت وتيرتها كذلك فإن ما يثير التساؤل وربما الشكوك ليست نظرية المؤامرة التي قد يُرمى بها أي محلل أو متابع أو مراقب يغوص في عمق الحدث وإنما الذي يثير كل ذلك مجموعة كبيرة من الخيوط المتشابكة الدقيقة التي لا تكاد ترى غير إن الفاحص الدقيق وحده وبما يمتلكه من قدرة على تجميع الصور وترتيبها وفق تصور عملي وعلمي منطقي بعد تجريدها من عناصر الخداع البصري يستطيع التأكد من أن هذه الخيوط الدقيقة العسيرة على الكشف هي التي تحرك مسرح العرائس الهائج والمائج وهي التي تولد من خلال تفاعل الحركة في هذا المسرح الموجة العاشرة أو (التسونامي)
وحتى لا نتهم بالانحياز أو الحكم المسبق على الظواهر وفق نظرية المؤامرة و المؤامرة المضادة نقول إننا مع الشعوب كمبدأ عام ومع حقوق الشعوب المشروعة كقانون أخلاقي عام ومع مطالب الشعوب وأن حقها في الاحتجاج والتعبير عن الرأي السلمي يجب أن يكون مكفولاً بل إننا نضيف حتى حمل السلاح ومقاتلة العدو الخارجي المحتل للأوطان والمنتهك لسيادة البلدان واستقلالها
كما أن هناك واجبا أخلاقيا ألا وهو النظرة العادلة والمتوازنة والمتساوية لكل الشعوب فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات وان اختلاف النظرة أو ازدواجيتها يعتبر في حد ذاته خرقاً لهذه الحقوق وتجاوزاً عليها وانتهاكاً يجب مقاومته والتصدي له وإن أهم ضامن لهذه الثوابت هو الإعلام الملتزم بشروط الحيادية والمهنية والأخلاقية والبحث عن الحقيقة وعرضها دونما تزييف أو تزويق أو إيحاء
نحن مع حق الشعوب ولكن أليس من حقنا أن نتساءل ؟!
نحن مع حق الشعوب ولكن أليس من حقنا ان نستغرب ؟!
نحن نعلم إن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بصورة عامة قد استغلت مسألة حقوق الإنسان للتنكيل بالدول والحكومات التي لا تنسجم مع إستراتيجيتها الاستعمارية واستغلت المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان لإثارة المشاكل للحكومات والدول التي لا تخضع لإرادتها والتي تحسب خارجة على قانون هيمنتها وتتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها بشكل عام لدول العالم الثالث وبشكل خاص للدول العربية ولكن من حقنا أن نتساءل:
ما هذه الإنسانية التي ظهرت بها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي تجاه الشعوب العربية؟!
ما هذه الإنسانية وما هذه الأخلاق الرفيعة والنبيلة لحكومات تعلم جيداً أنها في عداء تام دائم مع الأخلاق والقيم العليا؟!
نحن مع حق الشعوب ولكن أليس من حقنا أن نتساءل:
هل إن الأنظمة العربية هي الأسوأ في العالم وهل هي السيئ الوحيد في العالم ؟؟؟؟؟
أليس من حقنا أن نتساءل ونشكك في مواقف الولايات المتحدة ودول الغرب مما يجري في المنطقة العربية ولماذا ركبت الولايات المتحدة ودول الغرب موجة تغيير الأنظمة العربية مع أن معظم الأنظمة التي أسقطت أو التي في طريقها إلى الإسقاط أنظمة إن لم نقل عميلة لها فهي خادمة لإستراتيجيتها ومصالحها في المنطقة حتى المصالح غير المشروعة منها
ومتى كانت الولايات المتحدة ودول الغرب تؤيد حق الشعوب العربية في حكم نفسها خاصة وهي تعلم أن امتلاك الشعوب لناصية الحكم تعني ضرب المصالح الأمريكية والغربية غير المشروعة في المنطقة وكمثال على ذلك نتساءل:
هل إن ما يجري الآن في مصر من تطورات بعد رحيل (حسني مبارك) يؤشر التحول الديمقراطي الذي يطمح إليه الشعب المصري؟؟
وهل تسمح الولايات المتحدة ودول الغرب والصهيونية العالمية بوجود حكم وطني في مصر يمكن أن يشكل خطراً مستقبلياً على (إسرائيل)؟!
ويمكن أن ينطبق هذا التساؤل على الوضع في تونس
أليس من حقنا أن نتساءل ونشكك في موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي من الوضع في ليبيا؟!
أليس من حقنا أن نتساءل ونشكك ونستهجن موقف الجامعة العربية الذي بلوره (عمرو موسى) في تأييد الدعوة الأمريكية للتدخل في ليبيا رغم معارضة عدد من الدول العربية؟!
ألا يعد موقفاً مخزياً ومشبوهاً موقف عمرو موسى وجامعته الداعي مجلس الأمن إلى فرض الحظر الجوي والتدخل العسكري في ليبيا والذي مهّد وأعطى الشرعية لصدور قرار فوري من مجلس الأمن تسارعت كل القوى الغربية إلى تنفيذه خلال ساعات؟!
وهل أن هذا الإجراء يَصبّ في مصلحة الشعب الليبي؟!
أليس من حقنا أن نتساءل عن الجهات الداعمة للحركات الليبية والتي تزودها بالسلاح؟!
أليس من حقنا أن نتساءل لماذا تبرع الجميع للمشاركة في التدخل والعدوان على ليبيا
كامرون بريطانيا مستعد وطائرات بريطانية جاهزة للمشاركة في الضربة الأولى
ساركوزي فرنسا في سباق مع كاميرون ليبدأ الضربة بالطائرات الفرنسية
كندا والنرويج وايطاليا وهولندا وبلجيكا وغيرها و غيرها كلها جاهزة للمشاركة في ضرب القذافي
فهل القذافي أكثر إجراما من قادة (إسرائيل) ؟؟؟
وهل فعل القذافي في الشعب الليبي عُشر ما فعلت (إسرائيل) في الفلسطينيين والعرب والمسلمين في كل بقاع الأرض ؟!!
حالة صعبة مرتبكة متشابكة متناقضة يصعب الخوض فيها وتفكيك عناصرها لا يدري المحلل من أين يبدأ وماذا يناقش وكيف يربط خيوط الموضوع ليصل إلى النتائج
وتأتي تظاهرات البحرين وتطور الأوضاع فيها لتسلط ضوءًا على ما يجري وتزيل الكثير من الأغطية عن المخطط الإجرامي الذي يستهدف المنطقة العربية (البحرين) هذا البلد الصغير الواقع تحت تهديد إيران باجتياحه وضمه إلى إمبراطوريتها حركت فيه خيوط اللعبة فتحركت عرائس المسرح على شكل احتجاجات ومطالب عادلة لشريحة من شرائح الشعب ما أسرع أن تطورت إلى مطالبات بملكية دستورية أعقبتها على الفور مطالبات بإسقاط النظام ومغادرة الملك وحاشيته
حمل المتظاهرون السيوف والآلات الجارحة وقطعوا الطرق وهددوا أمن باقي مكونات الشعب وتصرفت الحكومة بحكمة لأسبوعين متتاليين حتى استفحل الأمر بالاعتداء على رجال الشرطة العزل والهجمات التي شنها المتظاهرون على رجال الشرطة وأصابوا عدداً منهم أمام عدسات الإعلام فتحركت السعودية وفق معاهدة مجلس التعاون الخليجي وأرسلت قوة محدودة لدعم الأمن في البحرين وهنا بدأت ساعة الصفر وثارت ثائرة القوى التي كانت إلى حدٍ ما تعمل في الخفاء لتنفيذ المؤامرة على منطقة الخليج العربي بالبحرين
تحركت إيران وأبواقها وعملاؤها بكل مكان ليتقدمهم المعممون الذين لم تحرك شعرة في رأسهم انتهاكات حقوق الإنسان في العراق ولم يهتز ضميرهم الميت لقتل مليون ونصف مليون عراقي على أيدي قوات الاحتلال وميليشيات وعصابات أعوانها من الأحزاب العميلة لإيران ولم تنبس ببنت شفة إزاء قمع تظاهرات العراقيين السلمية ولم تتحرك عاطفتها أمام صرخات الأرامل والأيتام الذين قتل أزواجهن أو آباؤهم ولا صرخات الأمهات والإخوان والزوجات التي يرزح أبناؤهن وإخوانهن وأزواجهن في سجون ومعتقلات الحكومة والاحتلال السرية والعلنية ويتعرضون للاغتصاب والتعذيب والقتل ولم تتحرك شعرة غيرة فيهم لاغتصاب النساء العراقيات من قبل الاحتلال وعصابات عملائه خارج السجون وداخلها
راحوا يتصارخون ويولولون على حقوق شعب البحرين يتقدمهم مجلس نواب العراق تحت الاحتلال بموقفه المخزي برئيسه وأعضائه دون استثناء فالجماعة في نفير عام لنصرة شعب البحرين ويبدو أن زلزالا كزلزال اليابان قد أصاب البحرين عندما قتل متظاهر استخدم السلاح وقتل احد الجنود فاضطرت قوات الأمن إلى قتله
الجعفري قائد حملة قتل العراقيين كان يرتعش وهو يخطب في مجلس النواب
ووزير (الدريل) باقر صولاغ الحائز على براءة الاختراع بالقتل بواسطة المثقب الكهربائي بدا حساساً وجياش العاطفة تجاه متظاهر قتل في البحرين
أما الجلبي (لص البنوك) فهو لا يعرف سوى لغة المال والدولار أطلق مبادرته القاضية بسرقة 5 ملايين دولار من أموال الشعب العراقي وتقديمها هدية للثوار في البحرين
مها الدوري وصباح الخزعلي لم يفتهم ان يدلو بدلوهم في هذا (الرايسز) الإنساني فأخرجا ما يكن صدريهما
رئيس المجلس ونواب آخرون محسوبون على شريحة أخرى من شرائح المجتمع العراقي سارعوا إلى ركوب الموجة ومجاملة الآخرين حتى لا يتهموا بكونهم صداميين أو إرهابيين ولهم عذرهم (فالفلوس تخرب النفوس)
كل هذا جرى ويجري في وقت دخل العراق فيه العام التاسع للاحتلال والعدوان ففي مثل هذا الأسبوع بدأ العدوان الأمريكي الواسع لاحتلال العراق وبدأت أوسع وأبشع عملية قتل لشعب وتدمير لوطن في التاريخ القديم والحديث أمام أنظار العالم فأين كانت حقوق الشعوب وقوانينها وأين كان مجلس الأمن والأمم المتحدة من هذا العدوان وأين كان عمرو موسى وجامعته ودولها ؟!
وأين كان أصحاب العمائم مدعو علم الشريعة والواعظون؟!.
موقف إنساني لكنه فضيحة لأصحابه مجلس النواب يأخذ عطلة ويعلق جلساته ويطالب بيوم حداد وطني
لقد ضاع الخيط والعصفور واختلط الحابل بالنابل لكن الجميع قد فضحوا ولا ندري أين ذهبت العقوبات على إيران التي لم تستجب للشرعية الدولية واستمرت في سعيها لامتلاك السلاح النووي أمام إنكار أمريكا والغرب؟!
ولا ندري أين ذهبت تهديدات وإنذارات اوباما وزعماء الاتحاد الأوربي لإيران؟!
كنا نقول أن ذلك كله لا يعدو كونه مسرحية متفق عليها وأن التنسيق بين إيران والولايات المتحدة والكيان الصهيوني وراء الكواليس يجري على قدم وساق ولم يصدقنا احد حتى جاءت أحداث البحرين لتنزع الأقنعة عن كل الوجوه وتكشف كل المواقف
حرب طائفية صليبية صهيونية معلنة هدفها تدمير العرب وتمزيق أوطانهم لأن الصهيونية والغرب الصليبي وإيران الفارسية متفقون على أن الخطر على مصالحهم من الإسلام الصحيح الذي يمثل العرب جوهره فكان لابد من الاتحاد لتحطيم كيانات العرب وتدمير شعوبها
لكن التساؤل الأخير الذي لا بد من طرحه:
هل وعى العرب خطورة المؤامرة ؟!
وهل بقي مجال للنوم والغفلة وهل لا زال متسع من الوقت لحسن النية ؟!