- لوتكلمت الأرض لسمعنا قصصا عن البطولة والتضحية والدماء الطاهرة التي َروت كل ذرة تراب في أرض ٍكريمة ٍمعطاءة َ.
- لو باح نهرُ الفرات بإسراره لفاضت ذاكرتنا بأسماء رجال وهبوا الوطن و الأرض دمائهم واظافوا إلى هذه الأرض التي أتسمت بخصوبتها الأزلية صفة أخرى * ولنبدأ بحديث الأرض والنهر والبطولة .
-المجاهد رمضان باشا الشلاش من الأبطال الذين أنجبهم هذا الوطن * ولد َالمجاهد رمضان باشا الشلاش عام / 1882 / م في قرية الشميطية الواقعة غربي مدينة دير الزور على الضفة اليسرى لنهر الفرات * نشأ وترعع في كنف ِوالده شلاش العبدالله شيخ عشيرة البوسرايا آنذاك * وقد حظي بأهتمام خاص من والده بعد أن رأى فيه الفطنة والنباهة والذكاء وقوة الشخصية * وقد أخذ قيم البداوة الأصيلة من بيئته وهي عامل مهم من عوامل تفتح الشخصية والتمسك بكل ماهو أصيل * وتعلم مبادىء القراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم في الكتاتيب التي كانت منتشرة في القرى والأرياف آنذاك * وعندما بلغ العاشرة من العمر / 1892 / م أرسله ُوالده إلى مدرسة العشائر العربية في الأستانه التي أفتتحها السلطان عبد الحميد جامعا مجموعة من أبناء شيوخ العشائر التابعة للسلطة العثمانية * وكانت تلك المدارس تحظى بأهتمام من السلطان نفسه * وفي عام / 1897 / م تخرج من مدرسة العشائر بعد قضاء خمس سنوات فيها * ثم ألتحق بالمدرسة الحربية والملكية الشاهانية ومدة دراستها ثماني سنوات * وتخرج منها عام / 1905 / م برتبة ملازم خيال * وعُين مرافقا ًفخريا ًللسلطان عبد الحميد فترة من الزمن * ثم عُين في حلب برتبة ملازم في لواء الخيالة وبقي فيها حتى عام / 1909 / م .
- نُقل رمضان باشا من حلب إلى لواء الخيالة بدمشق * ثم إلى أورفه وبقي فيها حتى أواخر عام / 1911 / م .
- أرسل بعدها إلى طرابلس وشارك في بعض الحروب التركية وحضر معارك طرابلس الغرب عام / 1912 / م . وعُين حاكما عسكريا للجبل الأخضر ومقره في بنغازي .
- عاد رمضان باشا إلى دمشق بعد انتهاء الحرب * وعُقد الصلح بين حكومة الأستانة و القوات الإيطالية * حيث تم إرساله بعد ذلك إلى الموصل ليقوم بمهة تأمين معيشة الفيلق الثاني عشر * الذي كان رئيس أركانه الضابط ياسين الهاشمي .
- عُين رمضان الشلاش بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى / 1914 / م من قبل ياسين باشا الهاشمي قائدا لسرية الجمالة في الجولان في قضاء القنيطرة .
- في عام / 1916 / م عُين رمضان قائدا للسرية الخامسة في لواء الهجانة في المدينة المنورة * فَلَعِبَ دورا هاما في انضمام العديد من القبائل العربية إلى صفوف الثورة .
- تلقى بعدها رسالة من الأمير زيد بن الحسين تدعوه للانضمام إلى الجيش العربي والذين هم بحاجة إليه * فلبى الدعوة والتحق بقوات الأمير زيد * ومن ثم أنتقل إلى مقر الأمير علي * وعين من قبل الأمير فيصل قائدا للواء القبلة * ومن ثم قائدا للواء الهاشمي الذي كانت مهمته تدريب المتطوعين وإرسالهم إلى جيش الأمير فيصل * ثم التحق بعد ذلك بحاشية الأمير فيصل .
- أثناء ذلك اصطدم ببعض زملائه من حزب العهد من الموالين لبريطانيا * اللذين حاولوا تهميشه والحيلولة دون تسلمه مواقع قيادية متنفذه خلال العمليات الحربية .
- يروي رمضان باشا الشلاش في مذكراته سبب عدم مساهمته مع القوات العربية دخول دمشق في الأول من تشرين الأول من عام / 1918 / م . ( ويلخص الحادث بان القنصل البريطاني ويدعى { الميجر باست } أثناء الثورة العربية قد أمر عددا من المصريين بإنزال أسلحة الباخرة * ثم بدأ يقسوا عليهم ووصفهم بالكلاب * فأخذت رمضان الشلاش الحمية * فضرب / الميجر باست / بعصا كانت بيده قائلا له إنهم عرب أحرار .
- هذه الحادثة كادت أن تودي بحياته * لولا تدخل الشريف حسين والأمير فيصل * حيث جرت له محاكمة من قبل لجنة مشكلة من الجنرال ولسن ونسيب البكري واحد الأشراف * وأثر فيصل على مجرى المحاكمة * فقرروا نفيه إلى مكة * حيث بقي حتى انتهاء الثورة بعام * بعد أن قابل الشريف حسين بن علي وشرح له ما جرى فأثنى عليه وبارك له في عروبته وإخلاصه لقوميته وعينه مرافقا خاصا لجلالته .
- وفي أواخر عام / 1918 / م وانتهاء الحرب أستأذن الشريف حسين بالعودة إلى بلاده فسمح له وزوده بكتاب خاص وتوصية للأمير فيصل في دمشق * وبعدها غادر مكة متوجها إلى دمشق
- ( كانت هذه الحروب للجيش العربي في مواجهة القوات التركية تجري على الأرض السورية * بينما القوات الإنكليزية تخوض حربا ضد القوات التركية في العراق ).
- يقول الشلاش في مذكراته ( عند وصولي إلى دمشق لم أجد فيصلا وقد كان في دمشق المرحوم الوطني الكبير الفريق ياسين باشا الهاشمي رئيسا لمجلس الشورى * فطلبني لمقابلته بصورة سرية * وقال لي بالحرف الواحد * يارمضان عما قريب سوف يأتي يوم نحارب فيه الفرنسيين * وربما يستنجدون بحلفائهن الإنكليز * فعليه عيناك حاكما عسكريا لمنطقة الرقة والخابور ووادي الفرات * وأنت بإمكانك أن تقوم بما يمليه عليك الواجب تجاه وطنك * وعينت بالفعل لهذا المنصب عام / 1919 / بشهر تشرين الأول ) .
- بتاريخ / 21 / 2 / 1919 م تم استبدال الكابتن الإنكليزي كارفر بالكابتن روبرت كاميرلتعيينه في دير الزور * الذي تميز بسوء الطبع والديكتاتورية * وترافق مع تعيين روبرت كامير تعين رمضان الشلاش حاكما عسكريا على قضاء الخابور والرقة ووادي الفرات * ومباشرة قام وجهاء المدينة وزعمائها بإرسال رسالة سرية إلى رمضان الشلاش يطلبون منه أن يتدخل ويخلصهم من الحكم الإنكليزي الجائر* وطلبوا منه أن يلحق دير الزور بالحكومة العربية الهاشمية بدمشق .
- أستطاع الشلاش أن يقود حملة عسكرية قوامها ثلاثة آلاف مقاتل أستطاعت أحتلال دير الزور وأسر الحاكم العسكري البريطاني روبرت كاميركما أستطاعت أن تحتل الميادين و البوكمال وظلت تطارد فلول القوات البريطانية حتى مدينة عانة في العراق * رفع إلى رتبة زعيم ( عميد ) من قبل الأمير فيصل عام / 1920 / م * حيث قابله رمضان الشلاش في دمشق وكلفه فيما إذا هاجمت القوات الفرنسية سوريا بإشعال نار الثورة في منطقة الفرات * وقد وقف الشلاش و رجاله في وجه الحملة العسكرية الفرنسية القادمة من حلب بقيادة ( الكومندان ترانكا ) يرافقه بعض المرتزقة * حيث دارت بين قواته وقوات الفرنسيين معركة واستشهد من قواته سبعة شهداء وقتل الكثير من الفرنسيين وأعوانهم * ولكن بسبب عدم التكافؤ في العدد و العتاد استطاعت القوات الفرنسية دخول دير الزور واحتلالها .
- في عام / 1921 / م أصدرت الإدارة العسكرية البرطانية على المجاهد رمضان باشا الشلاش حكما بالإعدام فذهب إلى شرق الأردن ووجد هناك الكثير من الشخصيات الوطنية السورية الذين ألتجؤوا بعد معركة ميسلون واتفق معهم على تشكيل قوة عسكرية يعود بها إلى منطقة الفرات لتحريرها * وعندما علم الأمير عبدالله بذلك أرسل إنذارا بتفريق القوة وإلا ستضطر القوات البريطانية لإستخدام الطيران ضدها * فاضطر لتفريقها .
- أرسل الشريف حسين بن علي في طلب رمضان الشلاش عام / 1923 / م وعندما قابله في مكة * رفعه إلى رتبة أمير لواء وقلده بوسام النهضة من الدرجة الأولى ورتبة الباشوية *وعينه قائدا عاما لجيش التحرير في سوريا وزوده برسالة إلى الأميرعبدالله لمساعدته في تشكيل القوة ومحاربة الفرنسيين وحيث وجد أن طرقه مسدودة ترك الأمر للمستقبل .
- عندما اندلعت الثورة السورية الكبرى عام / 1925 / م كان رمضان الشلاش من أوائل الضباط السورين الذين التحقوا بالثورة حيث عبر الحدود الأردنية مع مجموعة من الفرسان وقابل الزعيم سلطان باشا الأطرش وعهد إليه بقيادة قوات الثورة في المنطقة الشرقية * فهاجم تدمر واستولى على حاميتها وطرد الفرنسيين منها * ثم عاد إلى جبل العرب حيث طلب من زعماء الثورة الخروج من دائرة الجبل الضيقة من أجل إصباغ الصفة الوطنية على الثورة * وبالفعل كان اول من شكل قوة عسكرية من الدروز ورابط بها في منطقة المرج والغوطة ووسع من دائرة جهاده * حيث تمكن من إثارة الأهالي ضد الفرنسيين وتمكن مع قواته من احتلال الضمير والهجانة والرحيبة والمعظمية وجيرود والنبك ودوما * وعندما بدأ الفرنسيين بتضييق الخناق على مناطق الثورة ارتحل إلى بادية حمص وحماة * حيث كانت تصله رسائل من قبائل الموالي والعكيدات هناك من أجل قيادتهم والقيام بثورة عارمة ضد الفرنسيين ووصلت الأخبار إلى الفرنسيين عن طريق الجواسيس بوجود رمضان الشلاش بجوار السلمية حيث حاصروه والقوا القبض عليه ونقلوه إلى بيروت ووضعوه تحت الإقامة الجبرية في عهد المفوض السامي ( دي جوفنيل ) وذلك في أواخر كانون الثاني عام / 1926 / م وبقي فيها حتى عام / 1937 / م عندما أصدر الفرنسيون قرارا بالعفو عن الثوار فعاد إلى وطنه الأم سوريا .
- وعندما قامت القوات الفرنسية عام / 1942 / م بأغتيال احد شيوخ عشائر العكيدات وهو في سجنه وهو الشيخ كسار الصياح أبن عمة المجاهد رمضان الشلاش * فثار رمضان ومعه / 15 / خمسة عشر ألف فارس في منطقة البصيرة ودامت الثورة شهرا كاملا * ولم تنته إلا بإحتجاز حريته مرة ثانية * حيث قبضوا عليه ونقلوه إلى بيروت ووضعوه في الإقامة الجبرية حتى عام / 1946 / م .
- وبعد جلاء المستعمر الفرنسي عن أرض الوطن عاد إلى بلاده ليشارك شعبها أفراح الجلاء*وفي / 21 / آب / 1946 م توفي المجاهد رمضان باشا الشلاش في دمشق ودفن في مقبرة ذي الكفل في المهاجرين بناء على وصيته .
- لقد كانت حياة المجاهد رمضان الشلاش مليئة بالأعمال الوطنية * التي تركت اثرا في تغيير خارطة المنطقة * من خلال تحريره لدير الزور من أيدي الإنكليز * وإهانته لهم في الوقت الذي كانوا فيه أسياد العالم أجمع * كيف لا وهو الذي قال عنه ونسنوتن تشرشل وزيرالحربية والطيران و المستعمرات البريطانية إبان ثورته تلك ( إن لبريطانيا العظمى عدوين في الشرق يهددان مصالح بريطانيا لينين في الشمال ورمضان باشا الشلاش في الجنوب ) وهل أقوى من شهادة العدو في ذلك * إنه الرجل الذي شهد في وطنيته العدو قبل الصديق .
- وجاءت شهادة الصديق التي تمثلت في خطاب السيد الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد عندما زار محافظة دير الزور بتاريخ / 25 / 11 / 2008 قائلا :
- لقد قدمت هذه المحافظة الكثير ولا ننسى * لا ننسى أيام المحتل الفرنسي و الثورات المختلفة * كالعنابزة والبوخابور والشلاش * التي انطلقت من مواقع مختلفة في مدينة دير الزور * والبوكمال والميادين والحجيف والبصيرة وغيرها من المواقع والقرى في دير الزور بالتوازي مع صديقاتها من الثورات في المحافظات الأخرى في سوريا .
- كذلك فإن ثورة الشلاش في دير الزور ساهمت بشكل كبير في إشعال ثورة العشرين في العراق * واتصفت ثورة الشلاش بأنها من انجح الثورات سياسيا وعسكريا في تلك الفترة .
- في النهاية لا يسعني إلا أن أقول يجب أن نمتلك الجرأة على منح كل من ساهم في التجربة النضالية حقه ومكانته الصحيحة .
- وبعد ............ فما يستحقه منا هذا المناضل * هو الوقوف عند مواقفه الوطنية * وإبرازها وإعطائه الدور والمكانة التي يستحقها ............
- وتخليدا لذكراه فقد سميت مدرسة في مدينة دير الزور – جانب جامع الفتح بأسم المجاهد رمضان باشا الشلاش .
- في ذمة الله والتاريخ يارمضان .
موضوع قيم وجميل حول شخصية البطل المجاهد رمضان باشا الشلاش رحمه الله وهو فخر للعرب جميعا ولوادي الفرات وللعقيدات كلهم بما قدمه من بطولة وتضحية من اجل وطنه اشكرك اخي على الموضوع وتقبل مروري المتواضع