عرف علي ابن ابي طالب(ع) بمكانته السامية لدى الرسول الأكرم فهو ابن عمه وصهره ومن اوائل الناس إسلاما فضلا عن مواقفه العظيمة التي لاتنسى ومنها مبيته في فراش النبي ليلة هجرته والتي كادت تودي بحياته فداءا للرسول *وبطولاته التي لا نظير لها إذ لولا سيفه لماقامت للأسلام قائمة وخاصة يوم الأحزاب حين أطاح برأس أشجع العرب عمر بن ود حتى مالت كفة الميزان لصالح معسكر المسلمين.
إلا أن علي ورغم ماضيه المشرق هذا ورغم قربه من الرسول الأكرم إلا أنه لم يكن طالب حكم ولا طالب سلطة بعد وفاة النبي (ص) رغم أنه كان قادرا على نيل ذلك وبمنطق القوم الذين ساقوا الحجج لأثبات أولويتهن بالخلافة بعد الرسول منها فكيف لاتكون الخلافة لعلي وهو إبن عم الرسول وصهره ومستودع سره؟ إلا انه أثر أن يحترم خيار الأمة التي بايعت أبا بكرفلم يعترض و يرفع سيفه ليقاتل ملوحا بإستخدام قواه العسكرية! ولم يحاول شق عصا المسلمين وخاصة أولئك الذين لم يبايعوه لابالترغيب ولا بالترهيب* ولم يطعن في نتائج تلك الأنتخابات التي جرت في سقيفة بني ساعدة مشككا في نزاهتها ولم يطالب بعد وفرز أصوات الناخبين* ولم يحاول علي الرجوع إلى احاديث الرسول والتي تعتبر نصوصا دستورية في عصرنا الحاضر * ولم يذهب علي للحكماء من المسلمين حينها وهم يمثلون اليوم (المحكمة الأتحادية) ليحملهم على إصدار حكم يثبت أحقيته بالخلافة * ولم يأت للقوم ليسرد لهم بطولاته وتأريخه العريق* ولم يحاول أن ينتقص من الحاكمين الذين سجد بعضهم للأصنام وهو الذي كرم الله وجهه أو الذين كان سلوكهم بعيدا عن الأسلام أيام الجاهلية وهو الذي تربى في حجر الرسول.
بل أثر إحترم خيار الأمة وجلس في مجالس الخلفاء وعمل مستشارا لهم في امور الحكم عن طيب خاطر فعلي ليس بطالب دنيا ولامال ولاجاه * فهمه الأكبر هو نصرة دينه وإنصاف المظلومين وعدم شق صفوف المجتمع ولذا فعندما إندلعت الفتنة وحاصر المعارضون منزل الخليفة الثالث بعث ولديه الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة بإتفاق كافة المسلمين *بعثهما ليدافعا عن الخليفة المحاصر في داره ومن قبل أرسلهم تحت إمرة الخليفة الثاني ليقاتلوا في صفوف جيوش المسلمين التي فتحت بلاد فارس.لم يكن علي بالذي يتحين الفرص للأستيلاء على الحكم * ولا بالذي يتخذ موقفا معارضا للحاكمين طاعنا في شرعيتهم * بل كان عونا وسندا وعينا وسيفا لهم.
وبعد مقتل الخليفة الثالث إنهال الناس عليه مبايعين إياه وهو قابض يده ويأبى أن يبسطها حتى إجتمع عليه الناس من كل صوب ومكان فشق عطفاه ووطيء الحسنان فأقيمت عليه الحجة إذ لولا قيام الحجة بحضور الحاضر وقيام الناصروما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كضة ظالم ولا سغب مضلوم* لألقى حبلها على غاربها ولسقى أخرها بكأس أولها وهو الذي لاتساوي الدنيا عنده جناح بعوضة. حتى نهض بالأمر وهو صاحب العلم الغزير والمسلمون يشهدون على ذلك * فلم يكن علي بحاجة ليزور شهادة دراسية من ألصحابة وهو باب مدينة علم الرسول* ليتبوأ منصبا لايستحقه ولاكان عليا يزور شهادات لأصحابه ليوليهم مناصب ليسوا اهلا لها.فولى من كان اهلا لذلك ومن لم يكن عزله وهو لايخاف في الله لومة لائم.
ولم تكن متطلبات الحكم والسلطة تدفعه ليحيد عن مبادئه حتى بدا عهده بمحاربة الفساد المالي فأطلق كلمته الشهيرة إنه سيرجع كل ما اخذ من بيت مال المسلمين بغيروجه حق ولو زوجت به النساء وعتقت به الرقاب فأعلن حربا لاهوادة فيها على الفاسدين * حتى طلب منه أصحابه ان يتريث ليثبت أركان حكمه فرفض ذلك معلنا أنه صاحب مبدأ ولن يحيد عن ذلك ولو كلفه ذلك حياته* فلم يحابي الفاسدين بحجة الحفاظ على حكمه ولا بحجة أنهم كانوا محرومون وأن اليوم ليقطفوا الثمار من ميزانية المواطنين وهي التي لم تكن بحجم ميزانية اليوم . ثم قيل له ياعلي لولا أن تهادن فلان وتبقي فلان إلا انه رفض ذلك بعد ان وقع على مراسيم إجتثاثهم * فكيف ينكث بالعهد وكيف يبيع مبادئه وهو الذي أصدر حكمه بإعدام الأعداء يوما واليوم يوقع ومن وراء ظهور الممواطنين مرسوما يلغي فيه إجتثاثهم.
وأما سيرته في الحكم فلانظير لها عبر التأريخ ويكفي علي فخرا ان تعتمد وصيته لواليه على مصر وثيقة من وثائق الأمم المتحدة في عصرنا الراهن وهي التي يطلب فيها من عامله ان يعامل الناس بالحسنى والعدل فهم إما أخ له في الدين أو نظير له في الخلق* فلم يكن معياره الأنتماء الحزبي ولا القرابة ولا العشيرة.وكان علي يراقب عماله فإن بدر من احدهم سلوكا لا يتناسب مع موقعه فهو له بالمرصاد* وما رسالته إلى واليه على البصرة عثمان بن حنيف إلا خير دليل على ذلك. فلقد دعا أعيان البصرة هذا الوالي إلى وليمة فذهب إليها فماكان من علي إلا أن يعنفه قائلا (وماظننتك تسرع إلى وليمة قوم غنيهم مدعو وفقيرهم مجفو).فكان عصره عصر محاربة الفساد وتشييد أركان العدل في المجتمع إذ لا احد فوق القانون وهل يجرؤ قاض على تبرئة مفسد سرق قوت الممواطنين وعلي على رأس الحكم ؟ وهل يرضى علي أن يسمى بحامي المفسدين؟
كان هم علي في الحكم هو سعادة المواطنين وتوفير العيش الكريم لهم وكان لايهدأ له بال إلأ بعد ان يوزع مدخولات الدولة على المواطنين على حد سواء وحتى غير المسلمين منهم كذلك النصراني الذي جلس على قارعة الطريق في الكوفة يستجدي الناس ليسد رمقه فحينما مر به علي سأل عنه فقيل له إنه نصراني فقال عجبا لكم إستخدمتوه حينما كان شابا وتركتموه عندما كبر ؟ ثم أمرهم ان يصرفوا له راتبا من بيت المال*واليوم وحينما يستهدف الظلاميون أتباع المسيح في العراق ينبري الأدعياء ومن داخل قبة البرلمان مدعين بأن هذه الأعمال هي ردة فعل لأساءات صدرت من شواذ في بلاد الغرب وهم الذين عاشوا في بلاد الغرب وتمتعوا ولازالوا بخيراتها .كان على لاينام مبطانا إذ لعل في الحجاز او اليمامة من لاعهد له بالشبع ولا طمع له بالقرص *وهذا هوحال الحكام اليوم في بلاد العالم المتحضر حيث لم يهدأ لهم بال إلا بعد أن سنوا وشرعوا قوانين تحفظ حقوق جميع المواطنين. وأما أولئك الأدعياءعندنا اليوم الذين يدعون السير على نهج علي فلاينامون الليل إلا بعد أن يطمأنوا إلى أن أرصدتهم في المصارف قد إزدادت وشركات أبنائهم قد توسعت .
وكان علي ينظر إلى الذهب والفضة المكدسة في بيت المال قائلا ياصفراء ويا بيضاء غري غيري* فلم يسقط أمام بريقها ولم يبع مبادئه من أجلها. ولذافلم يجعل الحكم يوما هدفا أساسيا في حياته بل وسيلة لتحقيق العدل والمساواة بين العباد* لا وسيلة للأرتزاق وإشباع الطموحات والرغبات الشخصية والحزبية.فالغاية عند علي لاتبرر الوسيلة.فرغم خلافات علي مع والي الشام حينها والذي رفض اوامر علي بعزله إلا ان علي أبى أن يمد يده للغرباء لكي يطيح بمنافسيه *فهو لم يستجدي بالأغراب من وراء الحدود ويستعين بجيوشهم ليطيح بحكم منافسيه في الشام بل قال والله لأن فعلها بنو الأصفر لأضعن يدي في يد معاوية!هذه نفحات من سيرة علي فأين منها سيرة أولئك الذين يدعون أن حكومتهم وولايتهم هي إمتداد لولاية علي وهم لايساوون ذرة تراب على حافر فرس أبي تراب