قال أبو نعيم عنه: "حفظه من النهار الجود والصيام، ومن الليل السجود والقيام، مبشر بالبلوى، ومنعم بالنجوَى"
وعن الزبير بن عبدالله عن جدة له يقال لها هَيْمَة قالت: "كان عثمان يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعة من أوله"
رضي الله عنه قتلوه وقد كان صائمًا
وروى ابن كثير في "البداية والنهاية" (7/207): "صلى صلاة الصبح ذات يوم، فلما رفغ أقبل على الناس فقال: إني رأيت أبابكر وعمر أتياني الليلة، فقالا لي: صم يا عثمان؛ فإنك تفطر عندنا، وإني أشهدكم أني وقد أصبحت صائمًا، وإني أعزم على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخرج من الدار سالمًا مسلومًا منه، ثم دعا بالمصحف فأكب عليه رضي الله عنه ما طوى المصحف.. وقتلوه وهو يقرؤه"
صوم أبي طلحة الأنصاري زيد بن سهل أحد أعيان البدريين
أحد النقباء الاثنَى عشر ليلة العقبة
قال عنه صلى الله عليه وسلم: (لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل)
عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو، فلمَّا قُبِض النبي صلى الله عليه وسلم لم أره يفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر
وقال الذهبي: "كان قد سرد الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم"
قال أبو زرعة الدمشقي: إن أبا طلحة عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يسرد الصوم
قال الذهبي: "قلت بل عاش بعده نيفًا وعشرين سنة"
وعن أنس: "أن أبا طلحة صام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى"
صوم عائشة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
(الصديقة بنت الصديق العتيقة بنت العتيق حبيبة الحبيب وأليفة القريب سيد المرسلين محمد الخطيب المبرأة من العيوب المعراة من ارتياب القلوب لرؤيتها جبريل رسول علام الغيوب)
عن عبدالرحمن بن القاسم أن عائشة كانت تصوم الدهر وأخرجه ابن سعد عن القاسم بلفظ: إن عائشة كانت تسرد الصوم
عن عروة: أن عائشة رضي الله عنها كانت تسرد الصوم، وعن القاسم أنها كانت تصوم الدهر، لا تُفطِر إلا يوم أضحى أو يوم فطر، قال عروة: بعث معاوية مرة إلى عائشة بمائة ألف درهم فقسمتها لم تترك منها شيئًا فقالت بريرة: أنت صائمة فهلا ابتعت لنا منها بدرهم لحمًا؟ قالت: "لو ذكَّرتِنِي لفعلتُ"
وعن محمد بن المنكدر عن أم ذرة، وكانت تغشى عائشة رضي الله عنها قالت: بعث إليها الزبير بمال في غرارتين قالت: أراه ثمانين ومائة ألف فدعت بطبق وهي صائمة يومئذ فلما أسمت قالت: "يا جارية هلمِّي فطوري" فجاءتها بخبز وزيت فقالت لها أم ذرة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحمًا نفطر عليه؟ فقالت: "لا تعنفيني، لو كنت ذكَّرتِنِي لفعلت"
صوم أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها
(القوامة الصوامة حفصة بنت عمر بن الخطاب وارثة الصحيفة الجامعة للكتاب)
عن قيس بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون فبكت وقالت: والله ما طلقني عن شبع، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فتجلْبَبَت، قال: فقال لي جبريل عليه السلام: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة، أيُّ شهادة أعظم من شهادة الله وجبريل لحفصة رضي الله عنها وأنعِم بها من عبادةٍ كانت سببًا لرجوع أم المؤمنين لرسولنا صلى الله عليه وسلم لتبقى له زوجة في الجنة
وعن نافع قال: "ماتت حفصة حتى ما تفطر"
صوم أبي الدرداء حكيم الأمة وسيد القراء
(وامَقَ العبادةَ فارَق التجارةَ داوَم على العمل استباقًا وأحب اللقاء اشتياقًا تفرغ من الهموم ففتحت له الفهوم صاحب الحكم والعلوم)
قال أبو الدرداء: "كنت تاجرًا قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم فلما بعث محمد زاولت العبادة والتجارة فلم يجتمعا فأخذت في العبادة وتركت التجارة"
وفي رواية: "كنت تاجرًا قبل المبعث فلما جاء الإسلام جمعت التجارة والعبادة فلم يجتمعا فتركت التجارة ولزمت العبادة"
قال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون: أتبعُنا للعلم والعمل أبو الدرداء
وعن يزيد بن معاوية أن أبا الدرداء كان من العلماء الفقهاء الذين يشفون من الداء
عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وأبي الدرداء فجاءه سلمان يزوره فإذا أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له في الدنيا يقوم الليل ويصوم النهار فجاء أبو الدرداء فرحب به وقرَّب إليه طعامًا فقال له سلمان:كل، قال:إني صائم،قال: أقسَمْت عليك لتُفطِرن فأكل معه ثم بات عنده فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم فمنعه سلمان وقال:إن لجسدك عليك حقًّا ولربك عليك حقًّا ولأهلك عليك حقًّا صم وأفطر وصل وائت أهلك وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان وجه الصبح قال:قم الآن إن شئت فقاما فتوضأا ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان، فقال له: (يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقًّا مثل ما قال لك سلمان)
صوم عبد الله بن عمرو بن العاص
(صاحب الصيام والقيام "الإمام الحبر العادل" "له مناقب وفضائل ومقام راسخ في العلم والعمل")
عن عبدالله بن عمرو قال: "أنكحني أبي امرأةً ذاتَ حسب فكان يتعاهد كَنَّتَه فيسألها عن بعلها فتقول: نِعمَ الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشًا ولم يفتش لنا كنفًا مذ أتيناه فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (القَنِي به) فلقيته بعدُ فقال: (كيف تصوم؟) قلت:كل يوم قال: (وكيف تختم؟) قلت: كل ليلة، قال: (صم في كل شهر ثلاثة واقرأ القرآن في كل شهر) قال: قلت:أطيق أكثر من ذلك، قال:(صم ثلاثة أيام في الجمعة) قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: (أفطر يومين، وصم يومًا) قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: (صم أفضل الصوم صومَ داود صيام يوم وإفطار يوم واقرأ في كل سبع ليال مرة)، فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاك أني كبرت وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، والذي يقرؤه يعرضه من النهار ليكون أخف عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أيامًا، وأحصى وصام أيامًا مثلهن كراهية أن يترك شيئًا، فارق النبي - صلى الله عليه وسلم عليه
وعند النسائي قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: (اقرأه في عشرين)، قلت: دعني أستمتع؛ قال: (اقرأه في سبع ليالي)، قلت: دعني يا رسول الله أستمتع، قال: فأبى
وصحَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نازله إلى ثلاث ليال ونهاه أن يقرأ في أقل من ثلاث
وعند أحمد عن عبدالله بن عمرو: "زوجني أبي امرأة من قريش، فلما دخلت علي جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة، فجاء أبي إلى كنفه، فقال: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير رجل من رجل لم يتفش لنا كنفًا، ولم يقرب لنا فراشًا، قال: فأقبل علي، وعضني بلسانه، ثم قال: أنكحتك امرأة ذات حسب، فعضلتها وفعلت، ثم انطلق، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلبني فأتيته، فقال لي: (أتصوم النهار وتقوم الليل؟) قلت: نعم، قال: (لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)
عن عبدالله بن عمرو قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي هذا فقال: (يا عبدالله ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصيام النهار؟) قلت: إني لأفعل فقال: (إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام؛ فالحسنة بعشر أمثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله) قلت: يا رسول الله إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني، فقال: (فخمسة أيام) قلت: إني أجد قوة، قال: (سبعة أيام) فجعل يستزيده ويسزيده حتى بلغ النصف وأن يصوم نصف الدهر (إن لأهلك عليك حقًّا وإن لعبدك عليك حقًّا، وإن لضيفك عليك حقًّا) وكان بعدما كبر وسن يقول: ألا كنت قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهلي ومالي
قال الذهبي: هذا السيد العابد الصاحب كان يقول لما شاخ : ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضي الله عن صاحب الصيام والقيام الذي زم نفسه في تعبُّده وورده بالسنة النبوية
صوم عبد الله بن عمر
(الإمام القدوة شيخ الإسلام" المتعبد المتهجِّد)
يكفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل) وقوله: (إن عبد الله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل)
قال عنه نافع: "كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر" عن سعيد بن جبير قال: لما احتضر ابن عمر قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر ومكابدة الليل وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا
صوم أبي أمامة الباهلي
(صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم)
عن رجاء بن حيوة عن أبي أمامة: "أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا فأتيته فقلت: يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة، قال: (اللهم سلِّمْهم وغنمهم) فغزونا فسلِمْنا وغنمنا حتى ذكر ذلك ثلاث مرات قال: ثم أتيته فقلت: يا رسول الله إني أتيتك تترى ثلاث مرات أسألك أن تدعو لي بالشهادة فقلت: (اللهم سلمهم وغنمهم) فسلِمْنا وغنمنا يا رسول الله فمرني بعمل أدخل به الجنة فقال: (عليك بالصوم فإنه لا مثل له) قال: فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهارًا إلا إذا نزل بهم ضيف فإذا رأوا الدخان نهارًا عرفوا أن قد اعتراهم ضيف"
وعن أمامة: فكان أبو أمامة وامرأته وخادمه لا يلفون إلا صيامًا
قال الذهبي: ولأبي أمامة كرامة باهرة جزع هو منها وهي في كرامات الدَّاكالي وأنه تصدق بثلاثة دنانير فلقي تحت كراجته ثلاث مئة دينار
وفي "تاريخ الذهبي" (3/315) عن مولاة لأبي أمامة قالت: "كان أبو أمامة يحب الصدقة ولا يقف به سائل إلا أعطاه فأصبحنا يومًا وليس عنده إلا ثلاثة دنانير فوقف به سائل فأعطاه دينارًا ثم آخر فكذلك ثم آخر فكذلك قلت:لم يبق لنا شيء ثم راح إلى مسجده صائمًا فرققت له واقترضت له ثمن عشاء وأصلحت فراشه فإذا تحت المرفقة ثلاثمائة دينار فلما دخل ورأى ما هيأت له حمد الله وابتَسَم وقال: هذا خير من غيره ثم تعشَّى فقلت: يغفر الله لك جئت بما جئت به ثم تركته بموضع مضيعة قال: و ما ذاك؟ قلت: الذهب ورفعت المرفقة ففزع لما رأى تحتها وقال: ماهذا ويحك؟ قلت: لاعلم لي فكثر فزعه"
صوم عبد الله بن الزبير
أمير المؤمنين ابن الحواري عائذ ببَيْت الله المشاهد في القيام المواصِل للصيام
قال الذهبي: عدُّوه في صغار الصحابة وإن كان كبيرًا في العلم والشرف والجهاد والعبادة
قالت عنه أسماء بنت أبي بكر: إنه قوَّام الليل صوَّام النهار وكان يُسمَّى حمامة المسجد
عن ابن أبي مليكة قال: "كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام ويصبح في اليوم السابع وهو ألْيَثُنَا"
صوم عبد الله بن رواحة
الأمير السعيد الشهيد البدري النقيب أبو عمرو الأنصاري الخزرجي شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حارٍّ حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة"
وعند الذهبي في "السيَر": "إن كنا لنكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر في اليوم الحار ما في القوم أحد صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة"
عن ابن أبي ليلة: تزوج رجل امرأة ابن رواحة فقال لها: تدرين لم تزوجتك؟ لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته فذكرت له شيئًا لا أحفظه غير أنها قالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين وإذا دخل صلى ركعتين لا يدع ذلك أبدًا"
صوم الصحابي الجليل حمزة بن عمرو الأسلمي
(كان رضي الله عنه يسرد الصوم)
روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم فأصوم في السفر، قال: (صم إن شئت وأفطر إن شئت)
قال النووي: "فيه دلالة لمذهب الشافعي وموافقته أن صوم الدهر وسرده غري مكروه لمن لا يخاف منه ضررًا ولا يفوت به حقًّا بشرط فطر يومي العيدين والتشريق لأنه أخبر بسرده، ولم ينكر عليه، بل أقره عليه، وأذن له فيه في السفر، ففي الحضر أولى"
وهذا محمول على أن حمزة بن عمرو كان يطيق السرد بلا ضرر ولا تفويت حق كما في الرواية التي بعدها: (أجد بي قوة على الصيام في السفر) وأما إنكاره صلى الله عليه وسلم على ابن عمرو بن العاص صوم الدهر فلأنه علم صلى الله عليه وسلم أنه سيضعف عنه وهكذا جرى بأنه ضعف في آخر عمره وكان يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العمل الدائم وإن قل ويحثهم عليه
صوم أبي مسلم الخولاني
(المستلي بالأوراد والنوب الخولاني عبد الله بن ثوب حكيم الأمة وممثلها ومديم الخدمة ومحررها)
عن عطية بن قيس قال: دخل ناس من أهل دمشق على أبي مسلم وهو غاز في أرض الروم وقد احتفر جورة في فسطاطه وجعل فيها نطعًا وأفرغ فيه الماء وهو يتصلَّق فيه، فقالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر؟ قال: لو حضر قتال لأفطرت ولتهيأت له وتقوَّيت إن الخيل لا تجري الغايات وهو بدن إنما تجري وهن ضمر؛ ألا وإن أيِّمَنا باقية جائية" وفي الحلية: "بين أيدينا أيام لها نعمل"
صوم عامر بن عبد قيس
القدوة الولي الزاهد راهب هذه الأمة
كان يقول: "لذات الدنيا أربعة: المال والنساء والنوم والطعام فأما المال والنساء فلاحاجة لي فيهما وأما النوم والطعام فلابد لي منهما فوالله لأضرن بهما جهدي" ولقد كان يبيت قائمًا، ويظل صائمًا
وعن علقمة بن مرثد قال: "انتهى الزهد إلى ثمانية عامر بن عبدالله بن عبد قيس وأويس القرني هرم بن حيان والربيع بن خيثم ومسروق بن الأجدع والأسود بن يزيد وأبو مسلم الخولاني والحسن بن أبي الحسن"
وكان يقول: "ما أبكي على دنياكم رغبة فيها ولكن أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء"
وعن قتادة: "لما احتضر عامر بكى فقيل ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعًا من الموت ولاحرصًا على الدنيا ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل"
صوم الأسد بن يزيد النخعي
(الإمام القدوة القارئ القوام الساري الصوام الفقيه الأثير الفقير الأسير)
سئل الشعبي عن الأسود فقال: "كان صوَّامًا قوامًا حجاجًا"
وعن علقمة بن مرثد قال: "انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم الأسود ابن يزيد كان مجتهدًا في العبادة يصوم حتى يخضر جسده ويصفرَّ وكان علقمة ابن قيس يقول له: ويحك لِمَ تعذب هذا الجسد؟ قال: راحةَ هذا الجسد أريد "إن الأمر جد، إن الأمر جد" فلما احتضر بكى فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لاأجزع ومن أحق بذل مني والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل لهمَّنِي الحياء منه مما قد صنعته إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا زال مستحيًا منه"
وروى شعبة عن الحكم أن الأسود كان يصوم الدهر
وروى حماد عن إبراهيم كان الأسوَدُ يصوم حتى يسوَدَّ لسانه من الحر
وعن عبد الله بن بشر أن علقمة والأسود بن يزيد حجا وكان الأسود صاحب عبادة وصام يومًا فكان الناس بالهجير وقد تربد وجهه فأتاه علقمة فضرب على فخذه فقال: ألا تتَّقِ الله يا أبا عمرو في هذا الجسد؟ علام تعذب هذا الجسد؟ فقال الأسود: يا أبا شبل الجد الجد
قال حنس بن حارث: رأيت الأسود وقد ذهبت إحدى عينيه من الصوم لا ضير إن كان الجنة فسيبدل الله بعين أصح منها
ما ضرهم ما أصابهم جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة
صوم مسروق بن عبدالرحمن
(في العلم معروق وبالضمان موثوق ولعباد الله معشوق أبو عائشة مسروق)
عن الشعبي قال: "غشي على مسروق في يوم صائف وكانت عائشة قد تبنته فسمَّى بِنتَه عائشة وكان لا يعصي ابنته شيئًا قال: فنزلت إليه فقالت: يا أبتاه أفطر واشرب قال: ما أردت بي يا بنية؟ قالت: الرِّفق قال: يا بنية إنما طلبت الرِّفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" وفي رواية: "إنما طلبت الرفق لتعبِي"
قالت له عائشة الصديقة: "يا مسروق إنك من ولدي وإنك لَمِن أحبهم إلي"
وكان لايأخذ على القضاء أجرًا وكان يقول: "لأن أفتي يومًا بعدل وحق أحبُّ إليَّ من أن أغزو سنة"
صوم العلاء بن زياد
(المبشر المحزون المستتر المخزون تجرد من الثلاد وتشمر للمهاد وقدم العتاد للمعاد العلاء بن زياد)
كان ربانيًّا تقيًّا قانتًا لله بكاء من خشية الله
قال قتادة: كان العلاء بن زياد قد بكى حتى غشي بصره وكان إذا أراد أن يقرأ أو يتكلم جهشه البكاء وكان أبوه قد بكى حتى عمي
قال الحسن لعلاء بن زياد وقد سله الحزن: كيف أنت يا علاء؟ فقال: واحزناه على الحزن
قال الحسن: "قوموا فإلى هذا والله انتهى استقلال الحزن"
وعن هشام بن حسان أن العلاء بن زياد كان قوت نفسه رغيفًا كل يوم وكان يصوم حتى يخضر أو يصلي حتى يسقط فدخل عليه أنس بن مالك والحسن فقالا: إن الله تعالى لم يأمرك بهذا كله فقال: إنما أنا عبد مملوك لا أدع من الاستكانة شيئًا إلا جئته به"
قال له رجل: رأيت كأنك في الجنة فقال له: ويحك، أما وجد الشيطان أحدًا يسخر به غيري وغيرك
وكان يقول: "لينزل أحدكم نفسه أن قد حضره الموت فاستقال ربه تعالى نفسه فأقاله فليعمل باعة الله عز وجل"
قال سلمة بن سعيد رئي العلاء بن زياد أنه من أهل الجنة فمكث ثلاثًا لا ترقأ له دمعة ولا يكتحل بنوم ولا يتذوق طعامًا فأتاه الحسن فقال: أي أخي أتقتل نفسك أن بشرت بالجنة فازداد بكاءً" فمل يفارقه حتى أمسى وكان صائمًا فطعم شيئًا
عن هشام بن زياد العدوي قال: تجهَّز رجل من أهل الشام وهو يريد الحج فأتاه آتٍ في منامه فقال: ائت العراق ثم ائت البصرة ثم ائت بني عدي فائت بها العلاء ابن زياد؛ فإنه رجل أقصم الثنية بسام فبشره بالجنة قال: فقال: رؤيا ليست بشيء حتى إذا كانت الليلة الثانية رقد فأتاه آت فقال: ألا تأتي العراق فذكر مل ذلك حتى إذا كانت الليلية الثالثة جاءه فقال: ألا تأتي العراق ثم تأتي البصرة ثم تأتي بني عدي فتلقى العلاء بن زياد رجل ربعة أقصم الثنية بسام فبشره بالجنة قال فأصبح وأخذ جهازه إلى العراق فلما خرج من البيوت إذا الذي أتاه في منامه يسير بين يديه ما سار حتى قدم البصرة فأتى بني عدي فدخل دار العلاء ابن زياد فوقف الرجل على باب العلاء فسلم قال هشام: فخرجت إليه فقال لي: أنت العلاء بن زياد؟ قلت: هو في المسجد قال: وكان العلاء يجلس في المسجد ويدعو بدعوات ويحدث قال هشام: فأتيت العلاء فخفف من حديثه وصلى ركعتين ثم جاء فلما رآه العلاء تبسَّم فبَدَت ثنيته فقال: هذا والله صاحبي قال: فقال العلاء: انزل رحِمَك الله قال: فقال الرجل: أدخلني قال فدخل العلاء منزله وقال: يا أسماء تحولي إلى البيت الآخر قال: فتحولت ودخل الرجل وبشره برؤياه ثم خرج فرَكب قال: وقام العلاء فأغلق بابه وبكى ثلاثة أيام وقال: سبعة أيام لا يذوق فيهما طعامًا ولا شرابًا ولا يفتح بابه قال هشام فسمعته يقول في خلال بكائه: أنا أنا قال: فكنا نهابه أن نفتح بابه وخشيت أن يموت فأتيت الحسن فذكرت له ذلك وقلت: لا أراه إلا ميتًا لا يأكل ولا يشرب باكيًا قال: فجاء الحسن حتى ضرب عليه بابَه وقال: افتح يا أخي فلما سمع كلام الحسن قام ففتح بابه وبه من الضر شيءٌ الله به عليم فكلَّمه الحسن ثم قال: رحمك الله ومن أهل الجنة إن شاء الله أفقاتل نفسك أنت قال هشام: حدثنا العلاء لي وللحسن بالرؤيا وقال: لاتحدثوا بها ما كنت حيًّا"
لك الله يا علاء أئن بشرت بالجنة صمت وبكيت حتى أشرفت على الموت لك الله يا إمام ولك من اسمك أوفر نصيب
صوم سعيد بن المسيب سيد التابعين
عالم العلماء كما قال مكحول فقيه الفقهاء
حدث يزيد بن أبي حازم أن سعيد بن المسيب كان يسرد الصوم وقال ابن المسيب ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلاَّ وأنا في المسجد
صوم أبي بكر بن عبدالرحمن راهب قريش
(الإمام أحد فقهاء المدينة السَّبْعة وكان من سادات قريش قال ابن سعد كان يقال: له راهب قريش لكثرة صلاته)
روَى الشَّعبِي عن عمر بن عبدالرحمن أن أخاه أبا بكر كان يصوم ولا يفطر
قال الذهبي: "قلت كان أبو بكر بن عبدالرحمن مِمَّن جمع العلم والعمل والشَّرف، وكان ممن خلف أباه في الجلالة"
صوم عروة بن الزبير
(عالم المدينة أحد الفقهاء السبعة، وابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم مُكِّنَ من الطاعة، فاكتسب، وامتُحن بالمحنة، فاحتسب عروة بن الزبير بن العوام المجتهد المتعبد الصوام)
قال الزهري: جالست ابن المسيب سبع سنين لا أرى أن عالمًا غيره ثم تحولت إلى عروة، ففجرت به ثبج بحر
وقال أيضًا: رأيت عروة بحرًا لا تُكدِّر الدلاء
عن هشام بن عروة أن أباه كان يصوم الدهر إلا يوم الفطر ويوم النحر ومات وهو صائم ويعفوا يقولون له: أفطر فلم يفطر
وعن هشام بن عروة أن أباه كان يسرد الصوم
وعن هاشم أن أباه وقعت في رجله الأكلة فقال ألا ندعو لك طبيبًا؟ قال: إن شئتم، فقالوا: نسقيك شرابًا يزول فيه عقلك؟ قال: امض لشأنك إن ربي ابتلاني ليرى صبري ما كنت أظن أن خلقًا يشرب ما يزيل عقله حتى لا يعرف به فوضع المنشار على ركبته اليسرى فما سمعنا له حسًّا فلما قطعها جعل يقول لئن أخذت لقد أبقيت ولئن ابتليت لقد عافيت وما ترك جزءه بالقرآن تلك الليلة
وعن عبدالواحد مولى عروة قال: شهدت عروة بن الزبير قطع رجله من المعضل، وهو صائم
والله، لكأنها الأعاجيب، ولا تعجب؛ فإن أمه أسماء وأبوه الحواري، وجدته صفية وخالته عائشة وجده الصديق
صوم سليمان بن يسار
(الفقيه الإمام عالم المدينة وفقيهها، عن أبي الزناد قال: كان سليمان بن يسار يصوم الدهر)
وكان أخو عطاء يصوم يومًا ويفطر يومًا "صفة الصفوة" (2/84).
صوم عطاء بن يسار
(الإمام الفقيه الواعظ المذكر كبير القدر)
كان يصوم يومًا ويفطر يومًا
صوم إبراهيم النخعي
(التقيُّ الخفي الفقه الرضي الإمام الحافظ فقيه العراق ومفتي أهل الكوفة إلى عمران)
حدثت هنيدة امرأة إبراهيم أن إبراهيم كان يصوم يومًا ويفطر يومًا
قال سعيد بن جبير: تستفتوني وفيكم إبراهيم النخعي؟
وكان يقول رحمه الله: وددت أني لم أكن تكلمت ولو وجدت بدًّا من الكلام ما تكلمت، وأن زمانًا صرت فيه فقيهًا لزمان سوء
صوم الحسن البصري
(إمام الدنيا بأسرها قال عنه أبو جعفر الباقر: ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء)
قال أيوب السختياني: لو رأيت الحسن لقلت: إنك لم تجالس فقيهًا قط
وقال عنه عطاء: ذاك إمام ضخم يُقتَدَى به وكان من رؤوس العلماء في الفتن والدماء والفروج
وقال علي بن زيد: سمعت من ابن المسيب وعروة والقاسم وغيرهم: ما رأيت مثل الحسن ولو أدرك الصحابة وله مثل أسنانهم ما تقدموه
قال عوف: ما رأيت رجلاً أعلم بطريق الجنة من الحسن
رحم الله الحسن نبت في العلم وتحقبه وتشربه به يسقون وبه يدفع عنهم
قال السري بن يحيى: "كان الحسن يصوم البِيض وأشهر الحرم والاثنين والخميس"
دعوه لا تلوموه دعوه:
قيل له يومًا: ياأبا سعيد أيُّ شيء يدخل الحزن في القلب فقال: الجوع قال: فأي شيء يخرجه قال: الشِّبع وكان يقول: توبوا إلى الله من كثرة النوم والطعام
وكان يقول: إذا لم تقدر على قيام الليل ولا صيام النهار فاعلم أنك محروم قد كبَّلَتْك الخطايا والذُّنوب
ثم استغفر وبكى وقال: القلب الذي يحب الله يحب التعب ويؤثر النصب هيهات لاينال الجنة من يؤثر الراحة من أحب ما عند الله سخا بنفسه إن صدق وترك الأمانيَّ فإنها سلاح النوكي
صوم ابن سيرين
(ابن سيرين الإمام شيخ الإسلام)
عن حبيب بن الشهيد كنت عند عمرو بن دينار فقال: "والله ما رأيت مثل طاووس فقال أيوب السختياني وكان جالسًا: والله لو رأى محمد بن سيرين لم يقله
وعن ابن عون قال: ثلاثة لم تَرَ عيناني مثلهم: ابن سيرين بالعراق والقاسم بن محمد بالحجا ورجاء بن حيوة بالشام كأنهم التقوا فتواصوا
ذكر محمد عند أبي قلابة فقال: اصرفوه كيف شئتم فلتجِدْنه أشدكم ورعًا وأملككم لنفسه ومَن يَستَطِع ما يطيق محمد يركب مثل حدِّ السنان
عن أيُّوب قال: كان محمد يصوم يومًا ويفطر يومًا قال ابن عون: كان محمد من أشد الناس إزارًا على نفسه
صوم عبدالرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي
(الإمام بن الإمام)
قال هلال بن خبَّاب: كان عبدالرحمن بن الأسود وعقبة مولى أديم وسعد أبو هشام يحرمون من الكوفة ويصومون يومًا ويفطرون يومًا حتى يرجعوا
وعن الحكم أن عبد الرحمن بن الأسود لما احتضر بكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أسفًا على الصلاة والصوم ولم يزل يتلو حتى مات
قال الشعبي: أهل بيت خلقوا للجنة: علقمة والأسود وعبد الرحمن
وروي أن عبدالرحمن صام حتى أحرق الصوم لسانه
صوم عبدالرحمن بن أبي نعم البجلي الكومي
(الإمام الحجة القدوة الربَّاني أبو الحكم)
قال بكير بن عامر: كان لو قيل له: قد توجَّه إليك ملك الموت ما كان عنده زيارة عمل
قال عبدالملك بن أبي سليمان: كان يفطر في الشهر مرتين ورُويَ أنه أنكر على الحجاج كثرةَ القتل فهم به فقال له: مَن في بطنها أكثر مِمَّن على ظَهْرِها
صوم عراك بن مالك الغفاري
(من العلماء العاملين)
كان يسرد الصوم وقال عمر بن عبدالعزيز: ما أعلم أحدًا أكثر صلاةً من عراك بن مالك
صوم منصور بن المعتمر
(حليف الصيام والقيام خفيف التطعم والمنام الحافظ القدوة أبو عتاب السلمي)
قال أبو بكر بن عباس: رحم الله منصورًا كان صوامًا قوامًا
قال الثوري: لو رأيت منصور بن المعتمر لقلت: يوم الساعة
حدَّث زائدة أن منصورًا صام أربعين سنة وقام ليلها وكان يبكي فتقول له أمه يا بني قتلت قتيلاً؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعت بنفسي فإذا كان الصبح أكحل عينيه ودهن رأسه وبرق شفته وخرج إلى الناس
وذكر سفيان بن عيينة منصورًا فقال: قد كان عَمِي من البكاء وقال سفيان: إن منصور بن المعتمر صام ستين سنة يقوم ليلها ويصوم نهارها
عن مفضل قال: حبس ابن هبيرة منصورًا شهرًا على القضاء يريده عليه فأبى وقيل: إنه أحضر قيدًا ليقيده به ثم خلاه وكانت أمه فظَّة عليه تصيح به وتقول: يا منصور يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى؟ وهو واضع لِحيَته على صدره ما يَرفَع طرفه إليها
صوم سليمان بن طرخان
(الإمام شيخ الإسلام أبو المعتمر التيمي كان مقدمًا في العلم والعمل)
عن محمد بن عبدالأعلى قال لي معتمر بن سلميان: لولا أنك من أهلي ما حدثتك بذا عن أبي مكث أبي أربعين سنة يصوم يومًا ويفطر يومًا ويصلي صلاة الفجر بوضوء عشاء الآخرة
عَن معاذ بن معاذ ما أتيْنا سلميان التيمي في ساعة يطاع الله فيها إلا وجدناه مطيعًا
قال حمد بن سلمة عن سليمان التيمي: كنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله
عن عبد الله بن المبارك قال: أقاسم سليمان التيمي أربعين سنة إمام الجامع بالبصرة يصلي العشاء والصبح بوضوء واحد
وعن حماد بن سلمة قال: لم يضع سليمان التيمي جنبه بالأرض أي: ليلاً عشرين سنة
عن شعبة قال: ما رأيت أحدًا أصدق من سليمان التيمي رحمه الله كان إذا حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم تغير لونه
صوم الزهري
(الإمام العلم حافظ زمانه محمد بن شهاب الزهري)
عن معاذ بن صالح أن أبا جبلة حدثه قال: كنت مع ابن شهاب في سفر وصام يوم عاشوراء فقيل له: لِمَ تصوم وأنت تفطر في رمضان في السفر؟ فقال: إن رمضان له عدة من أيام أخر وإن عاشوراء يفوت
صوم ابن جريح
(الإمام الحافظ شيخ الحرم أبو الوليد عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج القرشي)
قال عطاء بن أبي رباح: سيِّدُ شباب أهل الحجاز ابنُ جريج
قال عبدالرزاق: ما رأيتُ أحسن صلاة من ابن جريج
وقال: كنتُ إذا رأيت ابنَ جريج أُعْلِمْت أنه يخشى الله
قال أبو عاصم النبيل: كان ابن جريج من العباد كان يصوم الدهر سوى ثلاثة أيام من الشهر
صوم عبد الله بن عون
(ابن أرطبان سيد القرآن في زمانه الإمام القدوة الحافظ عالم البصرة الحافظ للسانه الضابط لأركانه)
عن خارجة بن مصعب قال: صحبت عبد الله (ابن عون) أربعًا وعشرين سنة فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة
قال الذهبي: كان ابن عون عديم النظر في وقته زهدًا وصلاحًا
قال ابن المبارك: ما رأيت مصليًا مثل ابن عون وما رأيت أحدًا ممن ذكر لي إلا كان إذا رأيت دون ما ذكر لي إلا ابن عون وحيوة بن شريح
قال بكار بن محمد: كان ابن عون يصوم يومًا ويفطر يومًا
قال الأوزاعي: إذا مات ابن عون والثوري استوى الناس وقال: لو خيِّرت لهذه الأمة مَن ينظر لها ما اخترت إلا الثوري وابن عون
صوم داود بن أبي هند
(أبو بكر الإمام الحافظ الثقة مفتي أهل البصرة)
قال حماد بن زيد: ما رأيت أحدًا أفقه من داود
قال ابن جريج: ما رأيت مثل داود بن أبي هند إن كان ليفرع العلم فرعًا
قال الفلاس: سَمِعْت ابن أبي عون يقول: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله وكان خزازًا يحمل معه غذاءه فيتصدق به في الطريق
قال ابن الجوزي: يظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت ويظن أهله أنه قد أكل في السوق
قال محمد بن أبي عَدِي: أقبَل عليْنَا داود فقال: يا فتيان أخبركم لعل بعضكم أن ينتفع به كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق فإذا انقلبت إلى البيت جعلت على نفسي أن أذكر الله إلى مكان كذا وكذا فإذا بلغت إلى ذلك المكان جعلت على نفسي أن أذكر الله كذا وكذا حتى أتي المنزل
رحمك الله يا إمام صِيَام مع صدقة مع ذكر مع علم وفقه وحديث حُزْت الخير أجمعه
صوم ابن أبي ذئب
(الإمام شيخ الإسلام أبو الحارث محمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئب القرشي)
قال أحمد: كان يشبه بسعيد بن المسيب فقيل لأحمد خلف مثله قال: لا ثم قال: كان أفضل من مالك إلا أن مالكًا رحمه الله أشد تنقية للرجال منه كان يصلي الليل أجمع ويجتهد في العبادة ولو قيل له: إن القيامة تقوم غدًا ما كان فيه مزيد من الاجتهاد
قال أخوه: كان أخي يصوم يومًا ويفطر يومًا ثم سرد الصوم وكان شديد الحال يتعشَّى الخبز والزيت
قال أحمد بن حنبل: إن ابن أبي ذئب ثقة قد دخل على أبي جعفر المنصور فلم يَهَبْه أن قال له الحق وقال: الظلم ببابك فاشٍ وأبو جعفر أبو جعفر
صوم شعبة الخير أبي بسطام
(سيد المحدثين كما قال سليمان بن المغيرة الضخم الذي يحدث عن الضخام الإمام المشهور والعلم المنثور شعبة بن الحجاج الإمام أمير المؤمنين)
في الحديث كان الثوري يقول: أستاذنا شعبة
وقال حمزة بن زياد عن شعبة: كان قد يبس جلده على عظمه من العبادة
وقال أبو بكر البكراوي: ما رأيت أعبد لله من شعبة لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه من العبادة
وقال عمر بن هارون: كان شعبة يصوم الدهر كله لا يُرَى عليه
قال أبو قطن: كانت ثياب شعبة لونها لون التراب وكان كثير الصلاة كثير الصيام سخي النفس
قال شعبة: كل من سَمِعْت منه حدثنا فأنا له عبد
قال يحيى بن معين: شعبة إمام المتقين
وقال ابن مهدي: ما رأيت أحدًا أكثر تقشُّفًا من شُعبَة
قال عبدالسلام بن مطهر: ما رأيت أمعن في العبادة من شعبة
صوم غندر
(الحافظ المجود أبو عبد الله محمد بن جعفر الهندي لزم شعبة عشرين سنة)
قال يحيى بن معين: أخرج غندر إلينا ذات يوم جرابًا فيه كتب فقال: اجتهدوا أن تخرجوا فيه خطأ قال: فما وجدنا فيه شيئًا وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا منذ خمسين سنة
قال ابن مهدي: كنَّا نستفيد من كتب غندر في حياة شعبة
وقال غندر: أثبت في شعبة مني
صوم معروف الكرخي
(الملهوف إلى المعروف عن الفاني مصروف وبالباقي مشغوف وبالتحف محفوف وللُّطَف مألوف الكرخي أبو محفوظ معروف علم الزُّهاد بركة العصر أبو محفوظ البغدادي)
قال ابن حنبل: وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف؟
قال ابن عبيد لإسماعيل بن شداد ما فعل ذلك الحبر الذي منكم ببغداد؟ قلنا: من هو؟ قال: أبو محفوظ معروف قلنا: من هو؟ قال: أبو محفوظ معروف قلنا: بخير قال: لا يزال أهل تلك المدينة بخير ما بقي فيهم
سئل: كيف تَصُوم؟ فغالط السائل وقال: صوم نبينا صلى الله عليه وسلم كان كذا وكذا وصوم داود كذا وكذا فألح عليه فقال: أصبح دهري صائمًا فمن دعاني أكلت ولم أقل: إني صائم
قال عبيد بن محمد الوراق: مر معروف وهو صائم بسقاء يقول رحمه الله من شرب فشرب رجاء الرحمة
وكان رحمه الله يقول: إن صليت بكم هذه الصلاة لا أصلي بكم ثانية نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل
وكان يقول إذا أراد الله بعبد شرًّا أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل
وعنه قال: ما أكثر الصالحين وما أقل الصادقين
صوم أحمد بن حرب
(الإمام القدوة شيخ نيسابور أبو عبد الله النيسابوري كان من كبار الفقهاء والعباد من صحَّت بدايته صحَّت نهايته أجسام ذللت منذ الصغر لخدمة سيدها ومولاها)
قال زكريا بن حرب: ابتدأ أخي بالصوم وهو في الكتاب فلما راهق حجَّ مع أخيه الحسين بن حرب فأقاما بالكوفة للطلب وبالبصرة وبغداد ثم أقبل على العبادة لا يفتُر وأخذ في المواعظ والتذكير وحث على العبادة وأقبلوا على مجلسه
هكذا صوم منذ الصغر مثلما كان ابن حنبل يحيى الليل وهو غلام
قال محمد بن يحيى: مرَّ أحمد بن حرب بصبيان يلعبون فقال أحدهم: أفسِحوا فإن هذا أحمد بن حرب الذي نام الليل فقبض على لحيته وقال الصبيان: يهابونك وأنت تنام فأحيا الليل بعد ذلك حتى مات
صوم أحمد بن حنبل إمام أهل السنة
(معلِّم الخير كما حكى يحيى بن معين وقال: والله ما نقوى على ما يقوى عليه أحمد وعلى طريقة أحمد)
قال ابن المديني: أحمد بن حنبل سيدنا
وقال: اتخذ أحمد بن حنبل إمامًا فيما بيني وبين الله
وقال: إن الله عز وجل أعزَّ هذا الدين برجلين لا ثالث لها أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة
وقال أبو عبدي القاسم بن سلامك: أحمد بن حنبل إمامنا إني لأتزين بذكره
وقال إسحاق بن راهويه: لولا أحمدُ بن حنبل وبَذْلُ نفسه لمَّا بذلَهَا لَذَهَبَ الإسلام
وقال بشر بن الحارث: إن هذا الرجل قام اليوم بأمرٍ عَجَز عنه الخلق أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء إن أحمد بن حنبل قام مقام الأنبياء حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله إن أحمد بن حنبل طار بحفظها وغنائها في الإسلام
وقال أبو ثور: كنت إذا رأيت أحمد بن حنبل خيل إليكم أن الشرعية لوح بين عينيه
"قال إبراهيم بن هانئ وكان أبو عبد الله حيث تَوارَى من السلطان توارى عنده فحكى أنه لم يرد أحد أقوى عل الزهد والعبادة وجهد النفس من أبي عبد الله أحمد بن حنبل قال: كان يصوم النهار ويعجل الإفطار ثم يصلي بعد العشاء الآخرة ركعات ثم ينام نومة خفيفة ثم يقوم فيتطهر ولا يزال يصلي حتى يطلع الفجر ثم يوتر بركعة وكان هذا دأبه طول مقامه عندي ما رأيته فتر ليلة واحدة وكنت لا أقوى معه على العبادة وما رأيته مفطرًا إلا يومًا واحدًا أفطر واحتجم"
بعد خروج الإمام أحمد إلى العسكر بعد انقضاء ما اتهم به "قال أبو بكر المروزي: قال: قال لي أحمد بن حنبل ونحن بالعسكر: لي اليوم ثمان منذ لم آكل شيئًا ولم أشرب إلا أقل من ربع سويق فربما شربه وربَّما ترك بعضه وكان إذا ورد عليه أمر يُهمُّه لم يَطعَم ولم يُفطِر إلا على شربة ماء
قال صالح بن أحمد: جعل أبي يواصل الصوم يُفطِر في كل ثلاث على تمر شهرين فمكث بذلك خمسة عشر يومًا يفطر في كل ثلاث ثم جعل بعد ذلك يفطر ليلة وليلة لا يفطر إلا على رغيف
وكان إذا جيء بالمائدة توضع في الدهليز لكي لا يراها فيأكل من حضر وكان إذا أجهده الحر تلقى له خرقة فيضعها على صدره
قال أبو بكر المروزي: أنبهني أبو عبد الله ذات ليلة وكان قد واصل فإذا هو قاعد فقال: هو ذا يُدارُ بي من الجوع فأطعمني شيئًا فجئته بأقل من رغيف فأكل ثم قال: لولا أني أخاف العَوْن على نفسي ما أكلت وكان يقوم من فراشه إلى المخرَج فيقعد يستريح من الضعف من الجوع حتى إن كنت لأبل له الخرقة فيلقيها على وجهه لترجع إليه نفسه
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستة عشر يومًا ما ذاق شيئًا إلا مقدار ربع سويق في كل ليلة كان يشرب شربة ماء وفي كل ثلاث يستف حفنة من السويق فرجع إلى البيت ولم ترجع إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر ورأيت مآقيه قد دخلا في حدقتيه
وقال أبو بكر المروزي: كان أبو عبد الله بالعسكر يقول: انظر هل تجد لي ماء الباقلاء؟ فكنت ربما بللت خبزه بالماء فيأكله بالملح ومنذ دخلنا العسكر إلى أن خرجنا ما ذاق طبيخًا ولا دسمًا
قال أبو بكر المروزي: قال لي أبو عبد الله ونحن بالعسكر: ألا تعجب كان قُوتِي فيما مضى أرغفة وقد ذهبت عني شهوة الطعام فما أشتهيه قد كنت في السجن آكل وذلك عندي زيادة في إيماني وهذه نقصان وقال لنا يومًا ونحن بالعسكر: لي اليوم ثمان لم آكل شيئًا ولم أشرب إلا أقل من ربع سويق وكان يمكث ثلاثًا لا يطعم وأنا معه فإذا كان الليلة الرابعة أضع بين يديه قدر نصف ربع سويق فربما شربه وربما ترك بعضه
وكلم في أمره في الحمل على نفسه فقيل له: لو أمرت بقدر تطبخ لك ليرجع إليك نفسك فقال: الطبيخ طعام المطمئنِّين مكث أبو ذر ثلاثين يومًا ما له طعام إلا ماء زمزم وهذا إبراهيم التيمي كان يمكث في السجن كذا وكذا لا يأكل وهذا ابن الزبير كان يمكث سبعًا
كتب المتوكِّل أن يحمل أحمد إليه فحمل إليه فلمَّا قدم أحمد أمر أن يفرغ له قصر ويبسط له فيه ويجري عل مائدته كل يوم كذا وكذا وأراد أن يسمع ولده الحديث فأبى أحمد ولم يجلس على بساطه ولم ينظر إلى مائدته وكان صائمًا فإذا كان عند الإفطار أمر رفيقه الذي معه أن يشتري له ماء الباقلاء فيفطر عليه فبقي أيامًا على هذه الحال وكان علي بن الجهم من أهل السنة حسن الرأي في أحمد فكلم أمير المؤمنين فيه وقال: هنا رجل زاهد لا ينتفع به فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن له؟ ففعل ورجع أحمد إلى منزله
صوم إبراهيم بن هانئ النيسابوري
(الإمام العلم أبو إسحاق النيسابوري)
قال الخطيب: "كان أحد الأبدال"
قال الإمام أحمد: "إن يكن أحد ممن يعرف من الأبدال فإبراهيم بن هانئ"
وقال: إن كان ببغداد رجل من الأبدال فأبو إسحاق النيسابوري
قال إسحاق ابن إبراهيم بن هانئ: كان أحمد بن حنبل مختفيًا هاهنا عندنا في الدار فقال لي أحمد بن حنبل: لست أطيق ما يطيق أبوك يعني من العبادة
ولو لم يكن هذا الإمام الجبل من الفضل إلا ما قاله إمام أهل السنة فيه لكفاه فخرًا إلى يوم أن يرث الأرض ومن عليها
هذا الإمام الصوام الذي مات وهو صَائِم
قال أبو بكر النيسابوري: حضرت إبراهيم بن هانئ عند وفاته فجعل يقول لابن إسحاق: يا أبا إسحاق ارفع الستر قال: يا أبتِ الستر مرفوع قال: أنا عطشان فجاءه بماء قال: غابت الشمس؟ قال: لا، قال: فرده ثم قال: لمثل هذا فليعمل العاملون ثم خرجت روحه
وفي "صفة الصفوة": فدعا ابنه إسحاق فقال: هل غربت الشمس؟ قال: لا ثم قال: يا أبت رخص لك في الإفطار في الفرض وأنت متطوع قال: أمهل ثم قال: لمثل هذا فليعمل العاملون ثم خرجت نفسه
رحمك الله يا أبا إسحاق فقد كنت نسيجًا وحدك في صومك وعبادتك
صوم أحمد بن سليمان أبو بكر النجاد
(من كبار علماء الحنابلة في جمع العلم والزهد وكانت له حلقة بجامع المنصور يفتِي قبل الصلاة ويملي الحديث بعدها)
وصنف كتاب "الخلاف" نحو مائتي جزء وقد سمع من أبي داود السجستاني وغيره
وكان يصوم الدهر ويفطر كل ليلة على رغيف
صوم بقي بن مخلد
(الإمام القدوة شيخ الإسلام الحافظ صاحب "التفسير" و"المسند" الذين لا نظير لهما تلميذ الإمام أحمد)
قال عنْه الذَّهَبِي: كان إمامًا مجتهدًا صالحًا ربانيًّا صادقًا مخلصًا رأسًا في العلم والعمل عديم المثل منقطِع القرين يفتِي بالأثر ولا يقلد أحدًا
قد ظهرت له إجابات الدعوة في غير ماشي
قال عنه أبو عبد الملك أحمد بن محمد بن عبدالبر: كان فاضلاً تقيًّا صوامًا قوامًا متبتِّلاً منقطع القرين في عصره منفردًا عن النظير في عَصرِه
ذكر أبو عبيدة صاحب القبلة قال: كان بقي يختم القرآن كل ليلة ثلاث عشرة ركعة وكان يصلي بالنهار مئة ركعة ويصوم الدهر وكان كثير الجهاد فاضلاً يذكر عنه أنه رباط اثنتين وسبعين غزوة
قال عنه حفيده عبدالرحمن: كان جدِّي قد قسم أيامه على أعمال البِرِّ فكان إذا صلى الصبح قرأ حِزبه من القرآن في المصحف سدس القرآن وكان أيضًا يختم القرآن في الصلاة في كل يوم وليلة ويخرج كل ليلة في الثلث الأخير إلى مسجده فيختم قرب انصداع الفجر وكان يصلي بعد حزبه من المصحف صلاة طويلة جدًّا ثم ينقلب إلى داره وقد اجتمع في مسجده الطلبة فيجدد الوضوء ويخرج إليهم فإذا انقضت الدول صار إلى صومعة المسجد فيصلي إلى الظهر ثم يكون هو المبتدئ بالأذان ثم يهبط ثم يسمع إلى العصر ويصلي ويسمع وربما خرج في بقيَّة النهار فيقعد بين القبور يبكي ويعتبر فإذا غربت الشمس أتى مسجده ثم يصلي ويرجع إلى بيته فيفطر وكان يسرد الصوم إلا يوم الجمعة ويخرج إلى المسجد فيخرج إليه جيرانه فيتكلَّم مَعَهم في دينهم ودنياهم ثم يصلي العشاء ويدخل بيته فيحدث أهله ثم ينام نومَة قد أخذتها نفسه ثم يقوم هذا إلى أن توفي
صوم المنبجي
(الإمام المحدِّث القدوة العابد أبو بكر عمر بن سعيد الطائي المنبجي)
قال عنه ابن حبان: كان قد صام النهار وقام الليل ثمانين سنة غازيًا مرابطًا رحمه الله
صوم ابن زياد النسابوري
(الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد إمام الشافعيين في عصره بالعراق)
قال الدارقطني تلميذه: ما رأيت أحفظ من أبي بكر النيسابوري
قال أبو الفتح يوسف القواس: سَمِعْت أبا بكر النيسابوري يقول: تعرف مَن أقام أربعين سنة لم ينم الليل ويتقوت كل يوم بخمس حبات ويصلي صلاة الغداة على طهارة عشاء الآخرة؟ ثم قال: أنا هو وهذا كله قبل أن أعرف أم عبدالرحمن أيْش أقول لمن زوجني؟ ثم قال: ما أراد إلا الخير
ومعنى يتقوت كل يوم بخمس حبات أي: بعد صيامه
صوم القطان
(الإمام الحافظ القدوة شيخ الإسلام أبو الحسن القطان عالم قزوين)
قال عنه جماعة من شيوخ قزوين: لم يَرْوِ أبو الحسن رحمه الله مثل نفسه في الفضل والزهد أدام الصيام ثلاثين سنة وكان يفطر على الخبز والملح وفضائله أكثر من أن تعد
صوم ابن بطة
(الإمام القدوة العابد الفقيه المحدِّث شيخ العراق العُكْبَري الحنبلي صاحب "الإبانة الكبرى")
قال الخطيب: لما رَجَعَ ابن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة لم يُرَ في سوق ولا رؤي مفطرًا إلا في عيد وكان أمارًا بالمعروف لم يبلغه خبر منكر إلا غيره
قال العتيقي: كان ابن بطة مستجاب الدعوة
قال أبو محمد الجوهري: سَمِعْت أخِي الحسين يقول: رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله قد اختلفت علي المذاهب فقال: عليك بابن بطة فأصبحت ولبست ثيابي ثم أصعدت على عكبرا فدخلت وابن بطة في المسجد فلما رآني قال لي: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
صوم ابن جميع
(المسند الرحال العالم الصالح محمد بن أحمد بن جميع الغساني الصيداوي صاحب "المعجم")
قال ابنه: صام أبي أبو الحسين وله ثمان عشرة سنة إلى أن توفِّي وقد عاش ستًّا وتسعين سنة
وكذا كان والده أبو بكر عبَّادًا صوامًا
سبحان الله يسدر الصوم ثمانية وسبعين سنة لا يفطر إلا في العيدين وأيام التشريق
صوم السكن ابن جميع
(أبو محمد )
قال: سردت الصوم ولي ثمان وعشرون سنة ولِي الآن سبع وثمانون سنة وكذا سرد الصوم أبي وجدي
وَهَلْ يُنْبِتُ الخَطِّيَّ إلا وَشِيجُهُ ..... وَيُزرَعُ إلا فِي مَنَابِتِهِ النَّخْلُ
صوم الصوري
(الإمام الحافظ البارع الحجة أبو عبدالله محمد بن علي بن رحيم الشامي الصوري تلميذ الحافظ عبدالغني)
كان رحمه الله يسرد الصوم إلا الأعياد
صوم الدوني
(الشيخ العالم الزاهد، أبو محمد عبدالرحمن بن حمد الدوني)
وَهُو آخر من روى كتاب "المجتبَي" من سنن النِّسَائِي
قرأ عليه السلفي كتاب النسائي
قال السلفي: قال ابنه أبو سعد لي: لوالدي خمسون سنة ما أفطر النهار
صوم العماد المقدسي
(العالم،الإمام،الزاهد،القدوة،بركة الوقت،عماد الدين أبو إسحاق إبراهيم المقدسي أخو الحافظ عبدالغني)
كان الشيخ الموفق يقول: ما نقد نعمل مثل العماد
قال الضياء:لم أر أحدًا أحسن صلاةً منه ولا أتمَّ خشوعًا وخضوعًا قيل: كان يسبح عشرًا يتأنَّى فيها،وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا،وكان إذا دعا كان القلب يشهد بإجابة دعائه من كثرة ابتهاله وإخلاصه،ومن دعائه المشهور: "اللهم،اغفر لأقسَانا قلبًا،وأكبرنا ذنبًا،وأثقلنا ظهرًا،وأعظمنا جرمًا
يا دليل الحيارى دلنا على طريق الصادقين،واجعلنا من عباد الصالحين
قال عنه الموفق:ماأعلم أنني رأيت أشدَّ خوفًا منه
صوم ثابت البناني
(المتعبَّد الناحل،والمتهجَّد الذابل أبي محمد)
قال عنه أنس:إن للخير مفاتيحَ،وإن ثابتًا مُفتاح مِن مفاتيح الخير
قال شعبة:كان ثابت يقرأ القرآن في يوم وليلة،ويصوم الدهر
قال بكر بن عبدالله:من أراد أن ينظر إلى أعبد أهل زمانه فلينظر على ثابت البناني فما أدركت الذي هو أعبد منه،إنه ليظل في اليوم المَعْمَعَاني الطويل مابين طرفيه صائمًا يروح مابين جبهته وقَدَمِهِ
وكان رحمه الله يقول:لايُمسِي عابد أبدًا عابدًا،وإن كان فيه كل خصلة خير،حتى تكون فيه هاتان الخصلتان؛الصوم،والصلاة،فهما من لحمه ودمه
قال المبارك بن فضالة:خلت على ثبات البناني في مرضه،وهو في علوله،وكان لايزال يذكر أصحابه،فلما دخلنا عليه،قال:ياإخوتاه،لم أقدر أن أصلي البارحة كما كنت أصلي،ولم أقدر أن أصوم كما كنت أصوم،ولم أقدر أن أنزل إلى أصحابي،فأذكر الله عز وجل كما كنت أ ذكره معهم،ثم قال:اللهم،إذ حبستني عن ثلاث،فلاتدعني في الدنيا ساعة،أو قال: إذ حبستني أن أصلي كما أريد،وأصوم كما أريد،وأذكرك كما أريد،فلاتدعني في الدنيا ساعة،فمات من وقته رحمه الله
يَرحَم الله ثابتًا،وأقر عينه في جناته
صوم سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري
(فقِيه العصر،صائم الدهر،المتعبد القارئ الكاسي العاري سعد بن إبراهيم الزُّهْرِي)
قال شُعبَة: كان سعد بن إبراهيم يصوم الدَّهرَ
كان رحمه الله يَحتَبِي فيما يحل حبوته حتى يقرأ القرآن
قال إبراهيم بن سعد:كان أبي سعد بن إبراهيم إذا كانت ليلة إحدى وعشرين،وثلاث وعشرين،وخمس وعشرين،وسبع وعشرين،وتسع وعشرين،لم يفطر،حتى يَختِم القرآن،وكان يفطر فيما بين المغرب والعشاء الآخرة،وكان يفطر فيما بين المغرب والعشاء الآخرة،وكان كثيرًا إذا أفطر يُرسِلني إلى مساكين يأكلون مَعَه
صوم وكيع بن الجراح
(النصاح والمفهم المفصاح،أبو سفيان وكيع بن الجراح،الإمام الحافظ الرؤاسي محدث العراق،كان من بحور العلم وأئمة الحفظ)
قال يحيى بن معين:وكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه
قال الإمام أحمد:مارأيت قط مثل وكيع في العلم والحفظ والإسناد والأبواب مع خشوع وورع
وقال عنه وكيع:إمام المسلمين في زمانه
قال له الفضيل بن عياض:ماهذا السمن،وأنت راهب العراق؟ قال:هذا من فرحي بالإسلام فأفحمه
قال يَحيَى بن أكثم:صحِبْت وكيعًا في الحضَر والسَّفَر،وكان يَصُوم الدَّهر،ويختم القرآن كل ليلة
قال الذَّهَبِي:رضي الله عن وكيع وأين مثل وكيع؟
قال ابن عمار:كان وكيع يصوم الدهر،ويفطر يوم الشك والعيد
كان وكيع لاينام حتى يقرأ جزءه من كل ليلة ثلث القرآن،ثم يقوم في آخر الليل،فيقرأ المفصل،ثم يجلس فيأخُذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر
قال أبو جعفر الجمال:أتينا وكيعًا،فَخَرَج بعد ساعة،وعليه ثياب مَغسُولة،فلما بصرنا به،فزِعْنا من النور الذي يتلألأ من وجهه،فقال رجل بِجَنْبي:أهذا ملك؟ فتَعَجَّبْنا مِن ذلك النور
صوم أبي بكر بن عياش
(القارئ الهشاش،العابد البشاش،أبو بكر بن عياش،كان في العداد واحدًا،وفي العبادة شاهدًا)
كان رحمه الله يقول:ياملكَيَّ،ادعوا الله لي؛فإنكما أطوع لله مني،وكان رحمه الله يقول: إن أحدهم لو سقط منه درهم لظل يومًا يقول: إنا لله،ذهب درهمي،ولايقول ذهب يومي ماعملت فيه
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/79):هو الإمام المجمع على فضله
عن ابنه إبراهيم قال: قال لي أبي: إن أباك لم يأت بفاحشة قط،وإنه يختم القرآن منذ ثلاثين سنة كل يوم مرة
وأنه قال لابنه:يابني،إياك أن تعصيَ الله في هذه الغرفة،فإني ختَمْت فيها اثنى عشر ألف ختمة
وروينا عنه أنه قال لابنته عند موته،وقد بكت:يابنية،لاتبكي،أتخافين أن يعذبني الله تعالى،وقد ختمت في هذه الغرفة أربع وعشرين ألف ختمة
قال الحافظ ابن حجر في ترجمته:ولد سنة 95 أو 96،ومات سنة 193،وكان قد صام سبعين سنة وقامها،وكان لا يعلم له بالليل نوم"
صوم جعفر بن الحسن الدرزيجاني المقرئ
(الزاهد الفقيه الحنبلي)
قال عنه الحافظ ابن رجب:كان من عباد الله الصالحين،أمارًا بالمعروف،نهَّاءً عن المنكر،وله المقامات المشهورة في ذلك
كان مداومًا على الصيام والتهجد والقيام،وله ختمات كثيرة جدًّا،كل ختمة منها في ركعة،توفي في الصلاة ساجدًا سنة 506 رحمه الله تعالى
صوم رحلة العابدة مولاة معاوية
عن سعيد بن عبدالعزيز قال:ما بالشام ولابالعراق أفضل من رَحْلة،ودخل عليها نفر من القراء،فكلموها في الرفق بنفسها فقالت:مالي وللرفق بها؟ فإنما هي أيام مبادرة،فمن فاته اليوم شيء لم يدركه غدًا،والله،ياإخوتاه،لأصلين ماأقلتني جوارحي،ولأبكين له ماحملت الماء عيناني ثم قالت: أيكم يأمر عبده بأمر،فيحب أن يقصر فيه،ولقد قامت رحمها الله حتى أقعدت،وصامت حتى أسودت،وبكت حتى عميَت،وكانت تقول:علمي بنفسي فرح فؤادي،كلم قلبي،والله لوددت أن الله لم يخلقني،ولم أك شيئًا مذكورًا
وكانت رحمها الله تخرج إلى الساحل،فتغسل ثياب المرابطين في سبيل الله
صوم ميمونة بنت الأقرع
عابدة زاهدة كتبت عن الإمام أحمد بن حنبل أشياء،وأخبر المروزي،فقال: ذكرت لأحمد بن حنبل ميمونة بنت الأقرع،فقلت له:إنها أرادت أن تبيع غزلها،فقالت للغزال:إذا بعت هذا الغزل فقل إني ربما كنت صائمة،فأرخي يدي فيه،ثم ذهبت،ورجعت فقالت:رد عليَّ الغزل أخاف ألا تبين للغزال هذا
صوم أبي حنيفة
عن الحسَن بن عمارة أنه غسل حين توفي،وقال:غفر الله لك،لم تفطر منذ ثلاثين سنة،ولم تتوسَّد يمينك في الليل منذ أربعين سنة
صوم محمد بن عبدالرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي وهب
قال الواقدي:كان يصلي الليل أجمع ويجتهد في العبادة،فلو قيل له:إن القيامة تقوم غدًا ماكان فيه مزيدٌ لاجتهادٍ،وقال أخوه:إنه كان يصوم يومًا،ويفطر يومًا ثم سرده
صوم الملك العادل نور الدين محمود زنكي
(الشهيد بن الشهيد،والقسيم بن القسيم)
قال ابن كثير:صاحب بلاد الشام وغيرها من البلدان الكثيرة الواسعة،كان مجاهدًا في الفرنج،آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر،محبًّا للعلماء والفقراء والصالحين،مبغضًا للظُّلم،صحيح الاعتقاد،مؤثرًا لأفعال الخير،لايجسر أحد أن يظلم أحدًا في زمانه،وكان قد قمع المناكر وأهلها،ورفع العلم والشرع،وكان مدمنًا لقيام الليل،يصوم كثيرًا ويمنع نفسه من الشهوات،وكان يحب التيسير على المسلمين،ويرسل البر إلى العلماء،والفقراء،والمساكين،والأيتام،والأرامل، وليست الدنيا عنده بشيء رحمه الله وبل ثراه بالرحمة والرضوان
قال ابن الجوزي:استرجع نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله تعالى من أيدي الكفار نيفًا وخمسين مدينة
وكان قد عزم على فتح بيت المقدس شرَّفه الله فوافته المنية في شوال من هذه السنة (569هـ)،والأعمال بالنيات،فحصل له أجر ما نوى
كان قد أمر الولاة والأمراء بها أن لا يفصلوا بها أمرًا حتى يعلموا الملا به،فما أمرهم به من شيء امتثلوه،وكان من الصالحين الزاهدين،وكان نور الدين يستقرض منه في كل رمضان ما يفطر عليه،وكان يرسل إليه بفتِيتٍ ورقاق فيفطر عليه جميع رمضان
يَرحَمُ الله نور الدين لايطعم ولايفطر في رمضان على طعام المملكة بل يفطر على طعام شيخه
وهو الذي قال عنه ابن الأثير:لم يكن بعد عمر بن عبدالعزيز مثل الملك نور الدين،ولاأكثر تحريًا للعدل والإنصاف منه،وكان مقتصدًا في الإنفاق على نفسه وعياله في المطعم والملبس،وكانت له دكاكين بحمص قد اشتراها مما يخصه من المغانِم،فكان يقتات منها
كتب إليه الشيخ عمر بن الملا هذا:إن المفسدين قد كثروا،ويُحتَاج إلى سياسة،ومثل هذا لايجيء إلا بقَتْل وصَلْب وضَرْب،وإذا أخذ إنسان في البرية من يجيء ويشهد له؟ فكتب إليه الملك نور الدين على ظهر كتابه،إن الله خلق الخلق وشرع لهم شريعة،وهو أعلم بما يصلحهم،ولوعلم أن في الشريعة زيادة في المصلحة لشرعها لنا،فلاحاجة بنا إلى الزيادة على ماشرعه الله تعالى،فمن زاد فقد زعم أن الشريعة ناقصة فهو يكملها بزيادته،وهذا من الجرأة على الله وعلى ماشرعه،والعقول المظلمة لاتهتدي،والله سبحانه يهدينا وإياك إلى صراط مستقيم،فلما وصل الكتاب إلى الشيخ عمر الملا جمع الناس بالموصل وقرأ عليهم الكتاب،وجعل يقول انظروا إلى كتاب الزاهد إلى الملك،وكتاب الملك إلى الزاهد
صوم الشيخ الورع علي العياش
(يصوم يومًا ويفطر يومًا)
الشيخ الصالح الورع المجد على العبادة ليلاً ونهارًا كان من أجل أصحاب سيدي أبي العباس الغمري وسيدي إبراهيم المتبولي،وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا
ونختم بختام المسك من آل هاشم
صوم السيدة المكرمة الصالحة نفيسة ابنة الحسن بن زيد
بن السيد سبط النبِيِّ صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهم العلوية الحسنية
كانت رحمها الله وأكرمها بين الصالحات العوابد،زاهدةً،تقيةً نقيةً،تقوم الليل،وتصوم النهار حتى قيل لها:ترفقي بنفسك؛لكثرة مارأوا منها،فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبة لايقطعها إلا الفائزون؟ حجت ثلاثين حجة وكانت تحفظ القرآن وتفسيره
قال عنها ابن كثير:كانت عابدة،زاهدة،كثيرة الخير
توفِّيَت رحمها الله تعالى وهي صائمة،فألزموها الفِطْر،فقالت:واعجباه! أنا منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى أن ألقاه صائمة،أأفرِّط الآن،هذا لايكون وخرجت من الدنيا،وقد انتهت قراءتها إلى قوله:{قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} الأنعام: 12