هو علي بن زريق البغدادي وكنيته ابوالحسن*شاعر مقل لا يذكر له مؤرخو الادب غير هذه القصيدة التي اشهرته واشتهر بها اكثر من بعض الشعراء*واصبحت مثلا*وقد قالها في ابنة عم له يحبها اشد الحب وهي تحبه اشد الحب وكانا يقيمان في بغداد فاضطر لفقره وقلة ذات اليد الى الارتحال عنها*ويمم وجهه شطر الاندلس طلبا للرزق وسعة العيش*يقال انه قصد اباالخيبر عبدالرحمن الاندلسي ومدحه بقصيدة بليغة فلم يعطه الا عطاء قليلا فاغتم ومرض*ثم سال عنه عبدالرحمن بعد ايام وذهبوا يتفقدونه في الخان الذي يسكن فيه فوجدوه ميتا وعند رأسه هذه القصيدة البليغة المعبرة*وقد تميزت هذه القصيدة بسهولة
وسلاسة الفاظها وكلماتها مع عمق في معانيها*والقصيدة بعنوان لا تعذليه
لا تعذليه فإن العذل يولعه ** قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه
جاوزت في لومه حدا يضر به ** من حيث قدرت أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلا ** من عنفه فهو مضني القلب موجعه
قد كان مضطلعا بالبين يحمله ** فضلعت بخطوب البين أضلعه
يكفيه من روعة التفنيد أن له ** من النوى كل يوم ما يروعه
ما آب من سفر إلا وأزعجه ** رأى إلى سفر بالعزم يجمعه
كأنما هو من حل ومرتحل ** موكل بفضاء الأرض يذرعه
إذا الزماع أراه في الرحيل غنى ** ولو إلى السند أضحى وهو يزمعه
تأبى المطامع إلا أن تجشمه ** للرزق كدا وكم ممن يودعه
وما مجاهدة الإنسان واصلة ** رزقا ولا دعة الإنسان تقطعه
والله قسم بين الخلق رزقهم ** لم يخلق الله مخلوقا يضيعه
لكنهم ملئوا حرصا فلست ترى ** مسترزقا وسوى الفاقات تقنعه
والحرص في الرزق والأرزاق قدقسمت ** بغى ألا إن بغى المرء يصرعه
والدهر يعطي الفتى ما ليس يطلبه ** يوما ويطعمه من حيث يمنعه
أستودع الله في بغداد لي قمرا ** بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي أن يودعني ** صفو الحياة وأني لا أودعه
وكم تشفع بي أن لا أفارقه ** وللضرورات حال لا تشفعه
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى ** وأدمعي مستهلات وأدمعه
لا أكذب الله ثوب العذر منخرق ** عني بفرقته لكن أرقعه
إني أوسع عذري في جنايته ** بالبين عني وقلبي لا يوسعه
أعطيت ملكا فلم أحسن سياسته ** وكل من لا يسوس الملك يخلعه
ومن غدا لابسا ثوب النعيم بلا ** شكر عليه فعنه الله ينزعه
اعتضت من وجه خلي بعد فرقته ** كأسا تجرع منها ما أجرعه
كم قائل لي ذقت البين قلت له ** الذنب والله ذنبي لست أرقعه
إني لأقطع أيامي وأنفذها ** بحسرة منه في قلبي تقطعه
بمن إذا هجع النوام أبت له ** بلوعة منه ليلى لست أهجعه
لا يطمئن بجنبي مضجع وكذا ** لا يطمئن له مذ بنت مضجعه
ما كنت أحسب ريب الدهر يفجعني ** به ولا أن بي الأيام تفجعه
حتى جرى البين فيما بيننا بيد ** عسراء تمنعني حظي وتمنعه
بالله يا منزل القصر الذي درست ** آثاره وعفت مذ بنت أربعة
هل الزمان معيد فيك لذتنا ** أم الليالي التي أمضت ترجعه
في ذمة الله من أصبحت منزله ** وجاد غيث على مغناك يمرعه
من عنده لي عهد لا يضيعه ** كما له عهد صدق لا أضيعه
ومن يصدع قلبي ذكره وإذا ** جرى على قلبه ذكرى يصدعه
لأصبرن لدهر لا يمتعني ** به كما أنه بي لا يمتعه
علما بأن اصطباري معقب فرجا ** فأضيق الأمر إن فكرت أوسعه
عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا ** جسمي تجمعني يوما وتجمعه
وإن ينل أحد منا منيته ** فما الذي في قضاء الله يصنعه