السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} التوبة 30
افتتح رسميًا الأربعاء الماضي 9 / 11 / 2010 أول مسجد في أقصى الشمال الكندي المعروف بمسجد نهاية العالم بصلاة جماعية حضرها جمع من المسئولين والصحفيين بحسب ما أفاد عضو اللجنة الإسلامية المحلية لمدينة اينوفيك الصغيرة محمد عبد الله
وسيتاح بذلك للمسلمين الذين يقدر عددهم بالعشرات في هذه المنطقة من العالم أداء الصلاة لأول مرة في مكان مخصص للصلاة
وحظي هذا المسجد الصغير بشهرة كبيرة قبل افتتاحه بسبب رحلته التي قطع خلالها أربعة آلاف كلم فوق سيارة شحن عملاقة ثم سفينة من مدينة مانيتوبا حيث تم بناؤه
وقال حسين قستي من مؤسسة زبيدة طالب التي مولت بناء المسجد من إينوفيك: "نعيش هذه اللحظة بتأثر عميق وفرحة وإحساس بالرضا لأداء الواجب"
وحضر الصلاة الأولى التي أقيمت في المسجد رئيس بلدية المدينة ديني روجرز والعديد من وزراء مقاطعة أراضي الشمال الغربي ومن الصحفيين وبينهم عرب إلى جانب 80 مسلمًا يعيشون في مدينة إينوفيك التي تضم نحو 3500 نسمة
وكان مسلمو هذه المدينة يصلون منذ سنوات في كارافان قديم والمسجد الجديد الذي تغطي قاعته الكبرى سجاجيد حمراء كبيرة مهداة من مواطن خليجي يضم أيضًا قاعة صلاة مخصصة للنساء ومطبخا ومكتبة
ومن المقرر أن يستخدم هذا المسجد كمركز اجتماعي أيضاً ونصبت قرب المسجد خيمة كبيرة قدمت فيها للمدعوين الحلويات والشاي والقهوة ويزيد طول مئذنة المسجد التي بنيت في المكان عن تسعة أمتار
وفي الأيام الماضية قطع متطوعون مسلمون من أقاليم كندية أخرى مئات الكيلومترات وأحيانا آلاف الكيلومترات للمشاركة في الأشغال النهائية لإقامة المسجد
ويعتبر المسجد هو الأقرب إلى امتداد الجليد في القطب الشمالي وهو بذلك أقرب إلى القطب من مسجد نورد كمال بمدينة نوريلسك في سيبيريا الروسية وأقرب إليه جغرافيا أيضًا من مصلى مدينة ترومسو الذي أقيم في شمال النروج قبل عامين
يشار إلى أن المهاجرين المسلمين في إينوفيك يفكرون في إقامة مدرسة ومقبرة إسلامية وربما مركز ثقافي في الأرض الثانية التي اشتروها لكنهم يعانون من بعض الصعوبات المالية
قطع المسجد الذي صمم من الخارج على شكل منزل كندي خشبي اصفر اللون مسافة أربعة آلاف كيلومتر في شاحنة ضخمة ومن ثم على متن عبارة للوصول للبلدة
وانطلق المبنى الصغير نهاية اغسطس برا إلى هاي ريفر على ضفاف بحرية ليزيسكلاف الكبرى ثم اجتاز نهر ماكينزي على متن عبارة وصولا إلى اينوفيك على بعد 200 كيلومتر من القطب الشمالي
الطبيب والصحافي السعودي الدكتور حسين سعود قستي 43 سنة يقيم في كندا أيضاً لكن بعيداً عن إينوفيك أكثر من 4 آلاف كيلومتر ويشرف على مؤسسة خيرية إسلامية أسسها مع زوجته هناك تحت شعار يريح المؤمنين وهو "السنة والصحابة والسلف الصالح" قرر أن يحقق لمسلمي البلدة الجليدية حلمهم الدافئ بمسجد يبنيه لهم بنصف مليون دولار وساعده عليه من بعيد بالجهد والتبرعات بعض المقيمين في البلدة من العرب كما ساهم آخرون في كندا بالتبرع ومنهم سيدة سعودية تحفّظ على ذكر اسمها بناءً على طلبها وساهمت وحدها بأكثر من 190 ألف دولار وفي مقدمة المساهمين بالجهد والتعب الكثير كان المهندس العراقي أحمد الخلف 37 عاماً والمقيم منذ 9 سنوات بإينوفيك
بدأ بناء المسجد في نيسان الماضي وحين انتهى البناء اتفقوا مع سائق كندي خبير بمنطقة السفر البري إلى إينوفيك فجاء ومعه شاحنة عملاقة عرضها أكثر من 7 أمتار مزودة بفريق من العمال والفنيين وضعوا كامل هيكل المسجد البالغة مساحته 457 متراً مربعاً وبداخله لوازمه من منبر وثريات وأبواب وسجاد برافعات ضخمة على ظهرها
ثم بدأ رحلته في أوائل آب الماضي موغلاً بالسير البري نحو الشمال وسط ظروف مناخية صعبة بالفعل فمر بمدينة إدمنتون بمقاطعة ألبرتا ومن بعدها أمعن في السير البطيء طوال شهر كامل لم يقطع خلاله سوى 2900 كيلومتر فقط أي المسافة بين السعودية والمغرب تقريباً تلك المسافة هي أبعد من منتصف الطريق إلى إينوفيك بحوالي 400 كيلومتر تقريباً وهي تنتهي عند بلدة في منطقة لا تستطيع الشاحنة التوغل من بعدها بالبر وفيها انتهت مهمة السائق والتي تقاضى عنها ما قد لا يصدقه حتى محترفو العمل في النقل البري هنا وهناك وهو أكثر من 45 ألف دولار
يطلق على تلك المنطقة اسم "هاي ريفر"الواقعة عند ضفاف" بحيرة العبيد الكبرى المعروفة للكنديين باسم "غران لاك دي زسكلاف" ومنها تم إنزال المسجد من الشاحنة برافعات وضعته على متن عبارة عملاقة أبحرت به في مياه نهر ماكينزي الجاري إلى إينوفيك الواقعة عند دلتا تتفرع من النهر العميق أما تكاليف نقل بالعبارة النهرية إلى إينوفيك فهي تقريباً 49 ألف دولار بحسب ما قال المهندس أحمد الخلف
إن مواقيت إينوفيك صعبة على المسلمين ففي رمضان يصوموا بين 17 و18 ساعة يوميا ويذكر أن ثلث عدد العرب يعملون سائقي تاكسي في المدينة التي تشهد 30 يوماً في العام أي من 7 ديسمبر إلى 7 يناير حيث يبتلعها الظلام خلالها بشكل كلي ومن دون أي شمس على الإطلاق ومعظم العرب في إينوفيك هم من السودان وفيها مصريان وأردنيان أحدهما يملك دكانين للبقالة والسمانة والآخر يملك صالوناً للحلاقة إضافة لعدد من اللبنانيين وآخر فلسطيني معظمهم من مواليد لبنان وأحدهم يملك فيها مطعماً
أما أقدم العرب في إينوفيك فهو السوري الوحيد المقيم فيها واسمه طلال الخطيب وهو الآن في الستينات من عمره ووصل إليها قبل 28 سنة ويعتبرونه أغنى الجالية الصغيرة التي يعمل معظمها سائقي سيارات أجرة ويملك أحد السودانيين في إينوفيك شركتين إحداهما للإسعاف والثانية لسيارات التاكسي فيما يملك سوداني آخر شركة للأمن والحراسة
نسأل الباري عز وجل أن يثبتهم على دينه
إنه نعم المولى ونعم النصير
تحياتي