وفي الشَّرع: المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة ويسمى الاعتكاف جوارًا
{النووي على مسلم 8/ 66 وانظر تحفة الأحوذي 3/ 420}
وعَرَّفَه بعض العلماء : قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق
{لطائف المعارف 289}
تختلف التَّعاريف حسب منهج المُعَرف فالتَّعريف الأول نَظَر لحد الاعتكاف الشرعي ليُخرج به ما ينافيه من مُبطلات ومكروهات
والتَّعريف الثاني نَظَر لثَمَرة الاعتكاف التي لا تحصل إلاَّ بقطع القلب عمَّا سوى الله وهذه حقيقة الاعتكاف عند ذَوي البصائر لأنَّه لا يُؤتي ثماره إلاَّ بتَحَقُّق تلك الحقيقة فاعتكاف الصَّالحين انقطاع عن الخلق وأنس بالله ونسيان للشَّهَوات والرَّغبات الطبعيَّة ولَعَلَّ هذا هو السر في امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك فقد كان يشدّ مئزره وذلك كناية عن الإقلال منَ الطَّعام والشَّراب والجماع
وكُلَّما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثتْ صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكُليَّة على كل حال
كان داود الطَّائي يقول في ليله: هَمُّك عطل على الهموم وحال بيني وبين السهاد وشوقي إلى النَّظَر إليك أوثق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات
وكان بعضهم لا يزال منفردًا في بيته خاليًا بربه. فقيل له: أما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس مَن ذَكَرني.
قال الإمام البخاري: باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187]
{صحيح البخاري 2/713}
عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: إنَّ مثل المعتكف مثل المُحْرم ألقى نفسه بين يدَي الرحمن فقال: والله لاأبرح حتى ترحمني
{شعب الإيمان للبيهقي 3970}
عن عائشة رضيَ الله عنها قالت: كان النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم إذا دخل العشر شدَّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله
{رواه البخاري برقم 1920 باب العمل في العشر الأواخر من رمضان قال ابن حجر في "الفتح" 4/ 269: وصَرَّحَ به في حديث علي عند بن أبي شيبة والبيهقي من طريق عاصم بن ضمرة عنه قوله: (شد مئزره) أي اعتزال النساء وبذلك جزم عبدالرزاق عن الثوري واستشهد بقول الشاعر :
وذكر ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عَيَّاش نحوه وقال الخَطَّابي: (يحتمل أن يريد به الجد في العبادة؛ كما يقال: شددت لهذا الأمر مئزري: أي تشمرت له ويحتمل أن يراد التَّشمير والاعتزال معًا ويحتمل أن يرادَ الحقيقة والمجاز كمن يقول: طويل النجاد لطويل القامة وهو طويل النجاد حقيقة فيكون المراد شد مئزره حقيقة فلم يحله واعتزل النساء وشمر للعبادة) ووقع في رواية عاصم بن ضمرة المذكورة: (شد مئزره واعتزل النساء) فعطفه بالواو فيتقوى الاحتمال الأول قوله: (وأحيا ليله) أي سهره فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه لأن النوم أخو الموت وأضافه إلى الليل اتساعًا لأن القائم إذا حيي باليقظة أحيا ليله بحياته وهو نحو قوله: (لا تجعلوا بيوتكم قبورًا) أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور قوله: (وأيقظ أهله) أي للصلاة انتهى
عن عائشة رضيَ الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم إذا دخل العشْرُ أحيا اللَّيل وأيقظ أهله وجدَّ وشدَّ المئزر
{رواه مسلم برقم 1174 باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان}
قالت عائشة رضيَ الله عنها : كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره
{ رواه مسلم برقم 1175، باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان}
عن علي بن أبي طالب رضيَ الله عنه قال: كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم يوقظ أهله في العَشْر الأواخر من شهر رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة
{ رواه الطبراني في الأوسط برقم 7425 وقال: لم يروِ هذا الحديث عن أبي إسحاق عن هانئ إلا أبو مريم تفرَّد به إسماعيل بن عمرو وحديث هبيرة عن الثوري وشعبة وغيرهما}
عن عائشة رضيَ الله عنها أنَّ النَّبي صَلَّى الله عليه وسَلَّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفَّاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده
{رواه البخاري برقم 1922 باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة:187] ورواه مسلم برقم 1172 باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان}
عن أبي سعيد الخدري رضيَ الله عنه : أنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عامًا حتَّى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي اللَّيلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال: (من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر) فمطرت السَّماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فبصرت عيناي رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين
{ رواه البخاري برقم 1923 باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ الهِا فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة:187]}
عن عائشة رضيَ الله عنها قالت : وإن كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم ليُدْخِل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجله وكان لا يدخل البيت إلاَّ لحاجة إذا كان معتكفًا
{ رواه البخاري برقم 1925 باب لا يدخل البيت إلا لحاجة}
عن عُيَيْنة بن عبدالرحمن عن أبيه قال: كان أبو بكر يُصَلي في رمضان كصلاته في سائر السنة فإذا دخلت العشر اجتهد
{ مصنف ابن أبي شيبة برقم 9574 من كان يجتهد إذا دخل العشر الأواخر من رمضان}
اعتكاف النساء:
عن عائشة رضيَ الله عنها قالتْ: "كان النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنتُ أضرب له خباءً فيُصَلِّي الصبح ثم يدخله فاستأذنت حفصة عائشةَ أن تضرب خباء فأذنتْ لها فضربت خباء فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر فلمَّا أصبح النَّبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية فقال: ما هذا؟ فأُخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ألبر تُردن بهن؟ فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرًا من شوال)
{ رواه البخاري برقم 1928 باب اعتكاف النساء ومسلم برقم 1172 باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه}
عن عائشة رضي الله عنها: اعتكفتْ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم امرأةٌ من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة فربَّما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي